أزمة الشرعية في الجزائر... مسار نحو المأزق
![معهد واشنطن](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1586968111105233200/1586968124000/1280x960.jpg)
ومنذ تزايد ظهور قايد صالح أمام الرأي العام، أدّت خطاباته السياسية التقسيمية في غالبيتها إلى إثارة سخط شعبي وشعارات احتجاجية تطالب بوضوح بدولة مدنية تحل محل الحكم العسكري. على ضوء دينامية المد والجزر هذه الذي تتضح معالمها أكثر فأكثر بين الجيش والشعب، باتت سمعة المؤسسة العسكرية وتماسكها الداخلي معرّضين للخطر أكثر من أي وقتٍ مضى.علاوة على أزمة الشرعية السياسية في الجزائر، فإن تزايد المخاوف من حدوث انهيار اقتصادي تلوح في الأفق، فمنذ أن وقعت أزمة النفط عام 2014 بسبب تراجع سعر النفط الخام تراجعا كبيرا، ارتأت الجزائر اتباع تدابير تقشفية قاسية، وهي التي يعتمد اقتصادها بالدرجة الكبرى على قطاع النفط والغاز. مع ذلك، وصلت كل المحاولات الحكومية اللاحقة بتنويع الاقتصاد إلى حائط مسدود، ومع ارتفاع معدلات البطالة وسوء الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية، بات البلد مقبلاً على الانفجار.إذا كانت المطالب بتغيير النظام السياسي سلميةً حتى الآن، فالخوف من الانهيار الاقتصادي الوشيك قد يعيد إلى ذاكرة الجزائريين الأزمة التي أصابت سوق النفط العالمية عام 1986 وأسفرت عن أعمال الشغب العنيفة الشهيرة عام 1988. تعاني الجزائر مشكلة رئيسة واحدة تتمحور حول أزمة الشرعية، فكل الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي حصلت منذ العام 1962 تُعزى بالدرجة الكبرى إلى هذه الأزمة التي أوصلت في النهاية إلى انتفاضة فبراير، وإذ لا يخفى على أحد المحاولات المختلفة التي بذلها كلٌّ من النظام الحاكم والمعارضة لمعالجة هذه الأزمة، يبقى واضحا أن كل هذه المحاولات كانت بدون جدوى.واليوم لن تعالج الانتخابات أزمة الشرعية هذه، بل ستضاعفها لا أكثر لأنها ستنتج رئيسا يتمتع بـ"شرعية دستورية" إنما يفتقر إلى الشرعية الشعبية، وستؤدي هذه الاستراتيجية لا محالة إلى انتفاضة أخرى بحلول 2022، انتفاضة قد تحمل أولى بوادر العنف، ومن هنا لا يمكن معالجة أزمة الشرعية إلا من خلال حوار وطني يُعقد قبل أي انتخابات. وفي النهاية، سواء أجريت الانتخابات أم لم تُجرَ، تخوض الجزائر أصلاً مرحلة انتقالية تتطلب من كلا الطرفين، أي الطغمة العسكرية والمتظاهرين، القيام ببعض التنازلات الصعبة إنما الضرورية، فلا يجدر بالطغمة السياسية وضع نفسها في مواجهة مباشرة مع المتظاهرين، وعليها أن تبدأ بالإصغاء لصوت الشارع، أما المتظاهرون فيجب عليهم أن يفهموا أن انفصال الجيش بشكل كامل ومفاجئ عن السياسة ليس ممكنا بكل بساطة، وأن التعاون مع المؤسسة العسكرية للتوصل إلى رؤية بعيدة المدى هو أسهل وأكثر سلامةً من أي طريق آخر أسرع. إن البلاد تسير ببطء نحو مأزق خطير، وخطر التصعيد يزداد يوما بعد يوم، ووحدها التنازلات والتفاهمات المتبادلة قادرة على الحؤول دون دخول الجزائر في نوبة فوضى جديدة.* زين العابدين غبولي