الملل يتسلل إلى احتجاجات العراق ويهدد سلمية الحراك
بعد مرور نحو شهرين على حركة الاحتجاج العراقية، واكتسابها تعاطفاً واسعاً على مستوى دولي أيضاً، ظهرت مؤشرات مقلقة على تراجع شعارات «السلمية» في الحراك، نظراً لتمسك الأحزاب بمعظم المواقف، واستمرار العنف الحكومي المفرط وسقوط الضحايا، كما أن الأمر يؤدي كذلك إلى انقسام شعبي بشأن خيارات المتظاهرين، خصوصاً قطع الشوارع، وتعطيل المؤسسات الحكومية في قطاعات مثل التربية والموانئ والنفط.ويتسلل الملل إلى كثير من الناشطين، إذ يشعرون أن أسلوب الاحتجاج الذي يركز على النهج السلمي عبر الفن والموسيقى والاستعراضات والتضامن الاجتماعي لا يؤدي إلى نتيجة واضحة، فالسلطة تتجاهل المطالب الحقيقية بشأن الحكومة الانتقالية والانتخابات المبكرة تحت إشراف دولي، لأن الأحزاب تدرك أن اعتماد هذه الآليات يمكن أن يجعلها تخسر نحو 50% من مقاعدها لمصلحة قوى اجتماعية جديدة.وتقول عناصر قيادية، لـ «الجريدة»، إن البرد شديد والغذاء والمؤونة يتراجعان في طوابق «المطعم التركي»، وهو المبنى العالي المطل على الجانب الشرقي من دجلة مقابل مقرات الحكومة والبعثات الدبلوماسية، حيث يتحصن المحتجون منذ نحو شهرين، وتعجز السلطات عن فض اعتصامهم.
ولا تبدو مجموعات المحتجين في البصرة وذي قار جنوباً بحال أفضل من غيرهم، وهم يقومون بتنظيم تأبين لشهدائهم كل ليلة ويشعلون الشموع وينشدون الأغاني الحزينة، لكن ذلك يلهب حماسة بعضهم لاستخدام أساليب عنف، لقناعتهم بأن الأحزاب باتت تتكيف مع الأسلوب السلمي ولا تخشى مجرد العصيان المدني، الذي أدى إلى قطع شوارع استراتيجية تؤدي إلى شركات النفط أو الموانئ والمؤسسات التربوية.وظهرت فيديوهات كثيرة توثق استخدام المتظاهرين العنف ضد قوات الأمن، بعدما كانت أفعال العنف تركز فقط على الرموز الإيرانية والميليشيات المحسوبة عليها، فقد بدأ بعض المحتجين يمنعون بالقوة دخول الكوادر التربوية إلى المدارس، كما لا يتيحون للمواطنين العاديين المرور في طرقات رئيسية، مما أدى إلى تعطيل أعمالهم أو تواصلهم مع ذويهم في كثير من الأحيان.وكتب المحتجون بعض اللافتات يعتذرون من خلالها إلى المواطنين على هذه الاجراءات، وتقول إحداها: «نعتذر إليكم عن قطع الجسر لأن الوطن يخضع لأعمال الصيانة».وسجلت الفيديوهات تعرض عناصر الأمن للضرب المبرح على يد الناشطين في بعض المناطق، احتجاجاً على ممارسة قوات مكافحة الشغب للعنف ضدهم، وسقوط ضحايا بشكل يومي، خصوصاً بعد إعلان مفوضية حقوق الإنسان وجود 700 معاق على الأقل بين 17 ألف جريح سقطوا منذ مطلع أكتوبر.ويقول موظفون إنهم يتضامنون مع حركة الاحتجاج لكن استمرار الحركة شهرين بدأ يربك حياتهم بشكل محرج، رغم أن شريحة واسعة من المواطنين تدعو إلى تحمل الظروف الطارئة؛ لأن عدد الضحايا الكبير يستحق استمرار الاحتجاجات لإجبار الأحزاب على قانون انتخابات يضمن تمثيلاً أفضل وضمانة لنزاهة الانتخابات، وهو ما يؤدي إلى تقليص كبير في مقاعد القوى النيابية الموالية لإيران والتي استفادت من نقص الاستقرار، وسط الحرب على تنظيم داعش في انتخابات 2018.