نقطة : أهلاً بصراعات الشيوخ ...
إذا كنت ستصدق أن صراع الشيوخ على السلطة والتنافس للصعود إلى الأعلى سينتهيان بخروج رئيس الوزراء بمعية وزيرَي الدفاع والداخلية وقبله خروج ناصر المحمد واعتذار الفهد فهذا شأنك، ما أفهمه أنا هو أن صراعات الحكم موجودة منذ بدء الخليقة ولن تنتهي، تتغير أدواتها بتغير الزمن، لكنها مستمرة مادامت هناك أسر حاكمة تتكاثر، وخسارات المعارك فيها مهما كانت تكلفتها عالية فإنها لا تعني خسارة الحرب، وكل مَن خرج اليوم يفكر في العودة غداً بعد جرد حساباته ومراجعة أخطائه، ومنهم مَن يتعلم ويستفيد، ومنهم مَن سيكابر ويستمر على نهجه وأسلوبه القديم، ومن سيئ لأسوأ.البلا مو بصراع الشيوخ فقط، فلخلافاتهم فوائد عديدة أيضاً، أولها اكتشاف ما يجري من ورائنا، وخلف الخطوط الخلفية للقنوات الرسمية ولا نعلم عنه شيئاً إلا بعد عمليات التفاضح العشوائي المتبادل، ولو افترضنا أنهم اتفقوا فإن مثل هذا الاتفاق سيكون- في الغالب- علينا وعلى مكتسباتنا السياسية والاجتماعية والمالية، ثم إن الشيوخ مازلوا يظنون أن الحكم بالهيبة كافٍ في زمن الكفاءة وإيلون ماسك والجيل الخامس، وقد تكون مثل هذه الصراعات هي الفرص المتاحة لهم ليعوا تناقص أهميتها المستمر من ناحية، وجعلهم يلتفتون لأهمية التعليم والتطوير الذاتي والثقافة العامة والتعب على أنفسهم من ناحية أخرى.
دعوا الشيوخ يختلفون، والبقاء للأقوى كعادة كل الصراعات على هذه الأرض، رغم تمنياتنا أن يكون البقاء للأذكى والأنزه، أما مَن يدعو إلى وقف خلافات الشيوخ فإما أن يكون "طوباوي" أو جاهلاً أو متجاهلاً لطبائع البشر، وأغلب السياسيين الداعين إلى وقف مثل هذه الخلافات والمتذمرين منها يخلطون بينها وبين استعداد الكثير من زملائهم للانخراط فيها، وكأن لسان حالهم يقول: فليتوقف صراع الشيوخ؛ لأننا لا نستطيع مسك زملائنا السياسيين من البيع والشراء، وبذلك رمينا الكرة في ملعب الشيوخ الأسهل، وتناسينا زملاءنا الرخيصين حتى لا نخسرهم، فقد نحتاج إليهم في المستقبل في قضية أخلاقية أو مبدئية قادمة.القابل للبيع لن تعييه الحيلة لإيجاد مشترٍ، وإذا لم يشترِ الشيوخ زملاءكم فالسوق كبير و"الشراية" كثر، بدءاً من التاجر المحلي ولا ننتهي بالقوى الخارجية وهي الأخطر، والبيع والشراء- كما تعرفون- ليس بالتحويلات والشنط السوداء فقط، ففتح خطوط المعاملات الفاسدة شراء أيضاً، فإذا لم تقبض نقداً وأنهيت ألف معاملة غير قانونية بتسهيل من الشيخ الذي تتحالف معه فأنت والقبيض كهاتين، لذا فلا يتوجب أن تعنينا بشيء أو تتسبب لنا في مشكلة التنافسات بين الشيوخ مادامت الرؤية والمنهج واحداً، اللهم إلا من باب الإثارة والتشويق، إنما المشكلة بالأدوات البشرية، فلا تكن أداة لأحدهم، وامسك رفيجك وياك لا يبيع روحه.