في أمسية استثنائية أقيمت مساء الخميس الماضي في القاعة المستديرة ضمن فاعليات الموسم الثقافي لمركز الشيخ جابر الأحمد احتفت أكاديمية كيجانا الموسيقية بخمسة من أهم مؤلفي الأوبرا الإيطالية، أمام حضور كبير توافد قبل الحفل بوقت كاف للاستمتاع بالعديد من المقطوعات العالمية.

شهدت الأمسية تأدية مغنية السوبرانو آنا روبيرتا، وكارميني جوردانو على طبقة بيس باريتون، وفرانسيسكو دي بوليعلى البيانوفورت، أشهر الأوبرات العالمية مثل «حلاق إشبيلية» و«كواندو مينوفو» من أوبرا «البوهيمي» وغيرهما الكثير ضمن محتوى ثري تم اختياره ببراعة وذكاء من أرشيف كبار مؤلفي الأوبرا الإيطالية، ليعبر الحضور جسر الموسيقى ويمضوا ليلة مميزة في جولة بين أروقة وطرقات أشهر المدن الإيطالية.

Ad

كانت بداية الحفل مع أعمال الموسيقار العالمي جواكينو روسيني الذي عاش خلال الفترة من 1792 – 1868، لتبدأ رحلة الإبداع الإيطالية مع كارميني جوردانو الذي أدى سندريلا "مثل النحلة – كومو أون آب" ثم أطلت آنا روبيرتا لتقدم "حلاق اشبيلية – صوت منذ قليل" ليعود كارميني ويشدو من أوبرا "ويليام تل – لا تتحرك" ثم تظهر آنا مجددا وتقدم من أوبرا "ويليام تل" أيضا "إنهم يبتعدون أخيرا في الغابة المظلمة"، قبل أن يلتقيا آنا وكارميني في دويتو "حلاق إشبيلية – ها أنا ذا".

أعمال مميزة

ومــــــن أعمـــال المؤلف الموسيقي فينتشنزو بلليني (1801- 1835) قدم كارميني من أوبرا "المتشددون – إلى أين أذهب... آه إلى الأبد" ثم كان الحضور على موعد مع مجموعة مميزة من أعمال غايتانو دونيتزيتي (1797- 1848) حيث قدمت آنا روبيرتا من أوبرا "دون باسكوال – هذه النظرة للفارس" ثم صدح كارميني من أوبرا "إكسير الحب- اسمع اسمع أيها الريفي"، والتقيا الثنائي المميز في دويتو جديد من أوبرا "أكسير الحب – كم قدر الحب"، ليستمتع الجمهور بعد ذلك بعزف منفرد على البيانو لمقطوعة من أوبرا " إلى نينون" من أعمال روغيرو ليون كافاللو.

وتعدو آنا للظهـــــور مجـــــددا مـــــع أعمـــــــال جـــــوزيبـــــــي فـــيــــــــردي (1813- 1901) بجزء من أوبرا "فالستاف – الحوريات الأقزام" وتقدم بعد ذلك من أوبرا "على حافة الأنفس والأخلاق"، لتفسح بعد ذلك المجال لزميلها كارميني الذي صدح بجزء من أوبرا "فالستاف- هل هذا حلم أو حقيقة؟".

ويمر الوقت سريعا على عشاق هذا اللون من الغناء، وذلك القالب الموسيقي المتفرد وتتقدم آنا مجددا لتتصدى لواحدة من أعمال المؤلف الأوبرالي جاكومو روتشيني (1858- 1924) وهي أوبرا "لابوهيم – حينما أمشي" قبل ان يختتم الحفل دويتو مميز بين آنا وكارميني من أوبرا "ملكة الورد – دويتو الهاتف" للمؤلف الأوبرالي روغيرو ليون كافاللو.

شخصيات لها بصمة

واللافت في اختيارات أعضاء أكاديمية كيجانا الموسيقية انها ذهبت إلى اعمال شخصيات لها بصمة مهمة في الموسيقى الإيطالية والعلمية ولكل منهم أسلوب يميزه، فعلى سبيل المثال ظهرت الملامح الكوميدية لدى روسيني في المقاطع المغناة من "حلاق إشبيلية" والإنتاج العظيم لقصة ويليام تل، وفي أوبرا "بلليني المتشددون" تتوافر الفرصة للباريتون لتقديم واحد من الألحان الأكثر حزنا على الإطلاق لهذا النطاق الصوتي، ثم يأتي اللامع دونيتزيتي ليحتفي بصوت السوبرانو في أداء أوبرا "دون باسكوال" في حين يصف الباريتون في "إكسير الحب" بأداء ناعم الصفات الرقيقة للأخت الغامضة، كما تظهر الأغنية الثنائية " الدويتو" في الأوبرا ذاتها "إكسير الحب" مقدرة دونيتزيتي في الحفاظ على سمات كل شخصية بشكل منفصل، سواء على مستوى الموسيقى أو من خلال المشهد الغنائي نفسه.

ويضفي جوزيبي فيردي ألوانا موسيقية درامية ومربكة في أوبرا "فالستاف" أحد أكثر الأعمال الأوبرالية الكوميدية الأنيقة والعميقة في برنامج الحفل، وفي أوبرا "لابوهيم"، نتعرف إلى شخصية أخرى مختلفة تقدم من خلال الفالس الشهير الذي يطعم بتفاعل الآلات بعضها مع بعض، فيما يسمى بال"كونشيرتاتو" أو التنسيق بين الآلات معا.

ابن نابولي

ومن خلال عملين مختلفين لابن مدينة نابولي الموسيقار روغيرو ليون كافاللو الذي تمر هذا العام 100 سنة على وفاته في 1919، تم تقديم أنشودة "إلى نينون" ودويتو من أوبرا "ملكة الورد" احتفاء بفن الأوبرا الخفيف.

يذكر أن أكاديمية كيجانا الموسيقية أُسّست عام 1932 بتوصيةٍ من راعي ومُحبّ الموسيقى الكونت كيجي ساراتشيني، الذي قدّم العديد من الورش الموسيقية (ماستر كلاس) في سيينا، واستضاف في منزله نخبة من المعلمين العالميين وطلبة من جميع أنحاء العالم. وتحظى الأكاديمية اليوم باعترافٍ دولي باعتبارها واحدة من المؤسسات الموسيقية المرموقة في إيطاليا، ويعود ذلك إلى ظروف نشأتها، ونظرًا لكونها نموذجاً لتقديم الثقافة الموسيقية والترويج لها منذ قرنٍ مضى وحتى الآن.

ويعتبر إنشاء الأكاديمية أكثر الأعمال تميزا للكونت كيجي، فهو لم يجعل من بيته مركزا للنشاط الموسيقي المكثف فقط، بل نجح أيضا بمبادرته الشخصية في جعل مدينته الأثيرة مركزا يستضيف الفنانين والموسيقيين من كل أرجاء العالم، كما أن أول دورة عقدت لتعليم الموسيقى كانت في قصره "بالانزو كيجي"، وشارك فيها أشهر الموسيقيين في ذلك الوقت، وقد ازداد مع مرور السنين عدد طلاب الأكاديمية الذين يأتون من مختلف بقاع العالم، ويمثلون اليوم نحو 50 بلدا، كما تمت زيادة عدد الفصول التخصصية التي أصبحت تشارك فيها الأجيال الأكبر سناً من طلبة الأكاديمية.