ت... والظلم واحد *
![خولة مطر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/982_1671286347.jpg)
وهذه الرواية ليست برمتها كذبة كبرى أو تهويلاً من قبل حملة نظريات المؤامرة، ولكن لا أحد ينظر إلى الأرض الخصبة، تلك التي قد نشفت أعشابها وجف ترابها حتى اشتعلت بأول شرارة، لا أحد يتابع الوجع أو ربما حتى لا يعرفه، فمن يكدس الأصفار أمام أرقام حساباته المصرفية لا يتصور أن هناك من لا يملك حق ربطة الخبز اليومية، ولا يدرك أن كثيرين يعيشون إما على أجر يوم بيوم أو على الديون. الحكومات مدينة للبنوك الدولية أو تلك المنظمات الاقتصادية "المنقذة" للدول الفاشلة، والمواطن مدين لبنوك خزائنها متخمة بالأموال المنهوبة، والحياة تسير بفعل فاعل أو ربما بقدرة الله، كما رد ذاك اليمني يوما على مندوب البنك الدولي عندما حسب مدخول ذاك المواطن البسيط ومصروفاته، التي فاقت ما يدخل في جيبه، وسأله "كيف تستطيع أن تمضي في الحياة وأنت تصرف أكثر مما تدخل؟"، فرد اليمني الذي كواه الفقر سنين: "الله يساعدني"، ضحك ذاك المندوب المهندم وردد: "الله غير موجود إلا في اليمن!".الثورة التي أخذت تسميات متنوعة خلال الأشهر الماضية في كل المدن ببعض الدول التي ظلت تراقب وتعض على الجرح منذ عام 2011 عندما انتفض العرب لأول مرة منذ سنين حتى تصور المرء أنهم آمنوا بتلك الرواية في المرحلة الابتدائية عن صبر أيوب، وهو الآخر لم يعرف إلا عند شعوبنا. أن ينوع الإعلام في أوصافه ويمجّد المتظاهرين في مدينة ما ويرفضها في مدن أخرى، فهذا الأمر ليس بالغريب عندما أصبح الإعلام في يد الفئة التي تتحكم في مصير العباد، ولكن أن يختلف الثوار أنفسهم في تعريفهم للحراك أو التظاهرات في الدول الأخرى فهذا الأمر يعيدنا للمربع الأول، وهو أن الرافض للظلم يقع أحيانا ضحية الترويج له، وهي ليست بالنظرية الجديدة، فحتى ما حصل من قتل وذبح ودمار في بعض ما سمي "ثورات" هو في الكثير من الأحيان تكرار لتصرفات الظالم نفسه، ولكن يبقى الأمر المثير للغرف ربما أن ينتقد حاكم "أبو غريب" قلة الديمقراطية والشفافية والعدالة في دول دون أخرى. اختلفوا على التسميات إن شئتم ولكن لا تنكروا الظلم المغمس في وجعهم اليومي، لا تنكروا عليهم حقهم في صرخة تكرر "كفى"، و"كلكم يعني كلكم" و"الشعب يريد"، و"عدالة وحرية"،لا شيء يبرر الظلم أبداً ولا عدالة في قمع الجائع. * ينشر بالتزامن مع "الشروق" المصرية