نظمت الجمعية الاقتصادية الكويتية، بالتعاون مع مركز الكويت للسياسات العامة ومركز ذا كونفرنس بورد الخليج للبحوث الاقتصادية والتجارية، ندوة بعنوان "الآفاق الاقتصادية العالمية 2020: منطقة الخليج" حضرها لفيف من المهتمين والمختصين بالشأن الاقتصادي من قطاعات عدة، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين الحكوميين من وزارات وهيئات مختلفة وعدد من الأكاديميين من جامعة الكويت، مع مشاركة وحضور مميز من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي واتحاد مصارف الكويت. في بداية الندوة، تم توقيع اتفاقية تعاون بين الجمعية الاقتصادية الكويتية ومركز ذا كونفرنس بورد الخليج للبحوث الاقتصادية والتجارية، حيث تعتبر هذه الندوة المشتركة هي باكورة هذا التعاون ونشاطه الأول. وتهدف الاتفاقية إلى تنظيم التعاون بين الطرفين في قيادة الفكر ونشر التوعية لمجتمعات صنع السياسات وقطاع الاعمال في مجالات الاقتصاد والتنمية البشرية والابتكار والتنويع الاقتصادي ورفع الإنتاجية وزيادة التنافسية في الكويت بشكل خاص، وفي دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام.
وسيتضمن التعاون عقد ندوات ومحاضرات ومؤتمرات وحلقات نقاشية مشتركة ونقل المعرفة وتعزيز بناء القدرات والكوادر في مجالات التخطيط الاقتصادي. وقع عن الجمعية الاقتصادية الكويتية رئيس مجلس الإدارة مهند الصانع، وعن مركز ذا كونفرنس بورد الخليج للبحوث الاقتصادية والتجارية مديره التنفيذي د. مهدي الجزاف.وذكر الصانع أن الجمعية قامت بتوقيع هذه الاتفاقية لدورها ومسؤوليتها المجتمعية، كونها إحدى مؤسسات المجتمع المدني في دولة الكويت، وتعمل دائماً على تعزيز الوعي الثقافي والاقتصادي لدى أفراد المجتمع، وستحقق هذه الاتفاقية المنفعة المشتركة بين الطرفين من خلال عقد الندوات والمحاضرات والحوارات المشتركة لخدمة المجتمع، بالإضافة إلى تبادل الخبرات بين الجمعية الاقتصادية الكويتية ومركز ذا كونفرنس بورد الخليج للبحوث الاقتصادية والتجارية في المجالات التي تهم الشأن الاقتصادي.ومن جانبه، ذكر الجزاف أن توقيع هذه الاتفاقية مع الجمعية الاقتصادية الكويتية يعد مكسباً للمركز، نظراً لحرصه على التواصل الدائم مع كل العاملين والمهتمين بالشأن الاقتصادي في دولة الكويت وتقديم خدمات المركز المختلفة لهم، مضيفاً أن هذه الاتفاقية تعبر عن ثقة الجمعية الاقتصادية الكويتية ورئيسها مهند الصانع بأنشطة وتقارير المركز وإيمانهم بأهمية تشجيع الفكر الاقتصادي الجديد القائم على البحث العلمي الرصين في الكويت.وأشار إلى أن المركز هو مؤسسة بحثية خليجية ومنصة للتشاور تحظى بدعم ورعاية وتشجيع كل من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي واتحاد المصارف، وتتخذ من الكويت مقراً لها.وذكر أن المركز بدأ نشاطه في نوفمبر 2018 بهدف مساعدة أعضاء المركز على تنمية أعمالهم وتطوير العاملين في مؤسساتهم، ساعياً إلى التأثير الإيجابي في البيئة التشغيلية في منطقة الخليج، من خلال القيام ببحوث اقتصادية وتجارية كمية، والتفاعل مع دوائر التجارة والسياسة في منطقة الخليج والعالم، ونقل المعرفة وتعزيز قدرات استخدام المؤشرات الاقتصادية والتجارية.وبين أن المركز يركز على الأبحاث ذات الصلة بالتطورات الاقتصادية وأسواق العمالة ورأس المال البشري، والأسواق الاستهلاكية والتنوع الاقتصادي والإنتاجية والإبداع والقدرة التنافسية، لافتاً إلى أن منظمة ذي كونفرنس بورد (الأم) منصة أبحاث تقدم رؤى موثوقة لما ينتظر أعضاءها من مستجدات في بيئة الاعمال، وتأسست في عام 1916 في الولايات المتحدة الاميركية ككيان غير حزبي، لا يهدف للربح ويتمتع بإعفاء من الضرائب.
ركود النمو
بعد ذلك بدأت الندوة التي تحدث فيها ، نائب الرئيس التنفيذي وكبير الاقتصاديين في ذا كونفرنس بورد، د. بارت فان أرك، الذي قدم محاضرة بعنوان "ركود النمو يخيم على التوقعات لمنطقة الخليج". واستهل د. أرك حديثه باستعراض سريع للوضع الاقتصادي في 2019، مبينا أن الناتج المحلي الإجمالي تراجع في منطقة الخليج خلال 2019، ومن المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعاً طفيفاً من 1.4% خلال 2019 ليصل إلى معدل 1.8% خلال العام القادم 2020، مع افتراض تراجع التوتر السياسي في المنطقة، وتحسن الإنتاج الصناعي العالمي واستمرار انفاق المستهلكين. وأضاف: كما خلص التقرير الذي أعده ذا كونفرنس بورد الخليج إلى أن النمو في منطقة الخليج سيستمر خلال العقد القادم بمعدل 2.7% سنوياً، وهو شبيه بالمعدل العالمي تقريباً، الا انه أقل من معدل النمو 3.5% للبلدان الناشئة. وأشار إلى أن العامل الرئيسي المعرقل للنمو، بحسب التقرير، سيكون النمو البطيء للاستثمار، والذي لا يتم تعويضه بشكل كافي من خلال التحسن في نمو الإنتاجية. حيث ينبغي على الحكومات والشركات توحيد جهودهم لوضع نمو الأداء في المنطقة على خطى أكثر استدامة واستمرارية من خلال تحفيز الابتكار وتحسين الكفاءة التي توظف بها اليد العاملة ورأس المال في الاقتصاد.وقال ان دول الخليج تعمل على تنويع اقتصاداتها وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل، الا انه من الضروري التركيز على "تنويع الاقتصاد الذكي".وأوضح ان تنويع الاقتصاد الذكي يرتكز بالاساس على زيادة انتاجية العمالة واختيار القطاعات ذات القيمة المضافة للاقتصاد، مشددا على ضرورة تدريب وتطوير الكوادر الوطنية وتحويلها الى "عمالة ذات خبرة"، بالتزامن مع عمليات الاصلاح الاقتصادي الذي تقوم به معظم دول الخليج، لاسيما ان هذه الانتاجية كانت موجودة في هذه الدول في وقت سابق.البنية التحتية
وذكر أرك أن النمو الاقتصادي الذي حققته دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة الماضية جاء من خلال الاستثمار في البنية التحتية والانفاق الحكومي، ولم يكن هناك اثر كبير للصادرات على هذا النمو، رغم انه ترافق مع اصلاحات اقتصادية في عدد من هذه الدول.وأوضح ان "التنويع الاقتصادي الذكي" يتم من خلال قوى السوق والخصخصة اللذين يقودان التنافسية في الاسواق، مشيرا الى ان دور للقطاع الخاص والقطاع العام في تعزيز التنافسية التي تلعب دورا كبيرا في تحفيز قوى السوق لتوجيه مصادرها ومواردها الى القطاع الأجدى اقتصاديا.وعن دور القطاع الحكومي في التنويع الاقتصادي الذكي، قال إنه يأتي من خلال تبني ساسيات تنافسية من شأنها ان تمنع استهلاك الموارد في قطاعات اقل انتاجية، فضلا عن انها تساهم في تحسين مخرجات التعليم وتحفز الابداع والابتكار، اضافة الى تبني قيم التجارة الحرة وتحرير تدفقات رؤوس الاموال والاستثمار الاجنبي المباشر.وتابع: أما بالنسبة لدور القطاع الخاص في هذا التنوع فإنه يتمثل في تحفيز الابتكار والتكنولوجية والاستثمار في الموارد البشرية، اضافة الى تعزيز ثقافة العمل في المجتمع وإفساح المجال للابداع والاختراع.واعتبر ان سياسات التنويع الاقتصادي الذكي تخلق ظروف نمو اقتصادي متساو، وتدعم الاسواق من خلال توجيه الشركات الخاصة للاستفادة والاستثمار في القطاعات الاقتصادية ذات امكانيات النمو الكبيرة والامكانيات الانتاجية العالية، وهو الامر الذي من شأنه خلق فرص عمل منتجة جديدة في الاقتصاد.الاقتصاد العالمي
وبالنسبة الى الاقتصاد العالمي، قال أرك انه على الرغم من التحديات المتعددة وحالة "عدم اليقين" التي يشهدها العالم حاليا فـ"إننا متأكدون أن الاقتصاد العالمي سيحقق نموا خلال العام المقبل ولن يدخل في حالة انكماش وذلك لمجموعة من العوامل والمؤشرات التي تم رصدها".واضاف ان السلبيات التي ساهمت في تعزيز المخاوف حول نمو الاقتصاد العالمي والمتعلقة بالحرب التجارية بين الولايات المتحدة الاميركية والصين او "بريكست" او التوترات الجيوسياسية حول العالم يمكن غض النظر عنها اذا ما تبعنا عددا من المؤشرات الاقتصادية الايجابية الصادرة عن عدد من الدول المؤثرة في العالم.وأوضح أن أبرز هذه المؤشرات الايجابية تمثل في تحسن مؤشرات الاستهلاك في دول العالم المختلفة، لاسيما الولايات المتحدة الاميركية والصين والاتحاد الاوروبي، فضلا عن تحسن مؤشرات الناتج الصناعي الصيني خلال العام الحالي، بعد تراجع طفيف خلال السنتين الماضيتين، لاسيما ان الاقتصاد الصيني كان المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد العالمي خلال العقد الماضي.وأكد أرك ان الاقتصاد العالمي سيحقق نموا على المدى القصير، مشيرا في الوقت نفسه الى أن آثار التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الاوسط طالت آثارها الاقتصاد العالمي ودول الخليج بشكل خاص، لاسيما ان اقتصادات دول المنطقة تعتمد بصورة رئيسية على عائداتها من النفط الخام.واعتبر أن التحفيز المالي في الإمارات العربية المتحدة والكويت، والإنفاق على البنية التحتية في البحرين والطلب الاستهلاكي القوي، وخصوصاً في السعودية، تشكل الأسباب الرئيسية للتوقعات الإيجابية لعام 2020. وفي حين توقع التقرير أن يتباطأ الاستثمار في العقد القادم في منطقة الخليج، إلا أن الأداء الإنتاجي سوف يتحسن مع الاستخدام الأفضل لليد العاملة ورأس المال. وأكد التقرير أن الاستخدام الذكي للتكنولوجيا أو اليد العاملة عالية التدريب والتحول الرقمي الناجح تعتبر عناصر حاسمة ومسبقة للنجاح في العقد القادم.تلا ذلك استعراض مفصل للتوقعات حول الناتج الإجمالي المحلي لكل من البحرين، الكويت، السعودية والامارات، والتنبؤات الخاصة بالنظرة الاقتصادية لكل منها.المجرن: تغيير برامج التعليم لتعزيز الإنتاجية
أشاد أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت د. عباس المجرن باستضافة الجمعية الاقتصادية خبراء وكبار الاقتصاديين، مما سيكون له أثر جيد، موضحاً أنه بالنظر الى الارقام الواردة في التقرير وما وراءها نجد اننا نحتاج الى تغيير برامج التعليم لتعزيز الانتاجية العملية، حيث نلحظ ان الامور تسير في الاتجاه المعاكس في الكويت، الى جانب غياب الربط بين الانتاجية والتعليم، وأن التعليم يتجه نحو الاسوأ سنة تلو الاخرى.وأفاد المجرن بأنه يجب أن يتم تحديد الأولويات على أسس علمية وموضوعية، مؤكدا ضرورة اصلاح سوق التعليم ومعالجة ضعف مخرجاته، إذ إن كفاءة مخرجاتنا التعليمية أقل، وهو الأمر الهام لربطه مع الانتاجية وهو ما تعمله معظم الدول.من جانب آخر، أوضح المجرن أن معظم المواطنين يبحثون عن العمل في القطاع الحكومي مع الابتعاد عن القطاع الخاص، متسائلاً: كيف نضع العجلة في الاتجاه الصحيح؟وأجاب أرك بأن التعليم لا يحل كل شيء، حيث ان ترك التعليم في الجامعات غير كاف، بل يجب تطويرها بعد التخرج، الى جانب ذلك من المهم جذب مخرجات التعليم الى قطاعات مكافئة ومجزية لهم، والأهم بناء المهارات وجذبهم الى قطاع الاعمال، بدلا من العمل في الحكومة.وبين أرك أننا نجد ان هناك أجورا مرتفعة للقطاع العام، وهو ما يحقق نوعا من الرضا للموظفين، موضحاً انه من الضروري ان نجعل مشاركة الموظفين في قطاع الاعمال امرا هاماً وألا يعتمدوا على الحكومة، بل فتح باب التدريب والتطوير لهم للدخل في القطاع الخاص.