جلست السيدة في مقدمة صف المقاعد المخصصة للسود في الباص، فما لبث أن أمرها سائق الباص بإخلاء مقعدها لرجل أبيض فرفضت، فتحول ذلك الجلوس، وذلك الرفض، إلى حركة شعبية هزت المجتمع الأميركي، وبقدر ما كان الفعل بسيطاً، كان الأثر عارماً، كونه جاء انعكاساً لواقع تمييز عنصري طاغ، بالذات في الولايات الأميركية الجنوبية. فكانت انطلاقة مدوية لتفكيك البنيان القانوني لنظام عنصري بما في ذلك منع الزواج بين الأعراق، وهو أمر منتشر في الكثير من الثقافات الشرقية. الحادثة كانت في مونتغمري بولاية ألاباما في 1 ديسمبر 1955، والسيدة كانت روزا باركس. كنت قد التقيتها منذ سنوات طوال في أحد المؤتمرات، سألتها عن مدى رضاها عن التحولات التي جرت بعد حادثة الباص الشهيرة، فردت: "بعد كل هذه السنين، حققنا مكاسب ضد التمييز والعنصرية، ولكن مازال أمامنا الكثير لإنهاء التمييز الاجتماعي وتحقيق العدالة والمساواة"، وأضافت: "لم أكن أتخيل أن فعلي الرمزي كان سيحدث ردة الفعل هذه، ولكني مسرورة لذلك".تشكلت على أثر ذلك حركة "مقاطعة شركة الباصات"، والتي قادها قس صغير مفوه حينها اسمه مارتن لوثر كنغ جونيور، واستمرت لأكثر من سنة إلى أن أصدرت المحكمة العليا حكمها بإلغاء قانون باصات مونتغمري العنصري لمخالفته المادة 14 من الدستور الأميركي. حينها طلب كنغ من المقاطعين إنهاء مقاطعتهم فتوقفت اليوم التالي. تفاعلت الحركة بعد نجاحها، وأصبح كنغ نموذجاً متقدماً لحركة الحقوق المدنية، التي أسهمت في إضعاف معطيات العنصرية بقيادته، وحصل على جائزة نوبل للسلام في سنة 1964، وتم تصنيف خطابه "لدي حلم" كواحد من أهم الخطابات في التاريخ، إلى أن تم اغتياله على يد عنصريين في أبريل 1968، فأصبح رمزاً وطنياً أميركياً، وتم تخصيص عطلة رسمية باسمه. أما روزا باركس فبعد وفاتها في 24 أكتوبر بثلاثة أيام، أصدر الكونغرس الأميركي قراراً بدفنها في كابيتول روتندا، وبعدها أصبح لأميركا أول رئيس أسود. هكذا هو الحديث عن التغيير بمبادرات تبدو بسيطة والنضال الدؤوب المستمر.
يبدو أن العنصرية والتمييز لدى كثيرين هما واقع حال، والنظرة الدونية للآخر هي فعل مقبول، وعدم وجودها هو الاستثناء. فالعنصري أياً كان شكله أو لونه أو سحنته أو دينه أو عرقه أو مذهبه أو حتى جنسيته يمارس ما يظنه واقع حال، أما تفكيك العنصرية، وخلق مجتمع بلا تمييز فهو التحدي لما هو سائد، ولذلك يكون أكثر صعوبة.
أخر كلام
امرأة جلست فأسقطت عنصرية
04-12-2019