هل نتفاءل بعد طول إحباط؟
تعيين سمو الشيخ صباح الخالد رئيساً للوزراء أشاع أجواءً من التفاؤل الحذر، وانتقل الناس إلى حالة التحليل التفاؤلي.فسمعة رئيس الوزراء الجديد طيبة، ولم يُعرَف عنه سوى نزاهته ونظافة يده وهدوئه وعدم وجود خصومات سياسية معه، فضلاً عن ثقافته وسعة صدره وتواضعه. ولعله بدأ عهده بأمور إيجابية لم يسبقه إليها رئيس وزراء سابق، فقد أظهر وأعلن استقلاليته في إدارة رئاسة الوزراء، وأن ذلك سينعكس في تشكيله لوزارته بعيداً عن الضغوط المعتادة برلمانياً أو أسرياً، مما يعني أنه سيكوِّن وزارته هو وفريقه الذي سينجح في معيته، ومن مظاهر ذلك رفضه لتركة وزراء تمثل امتداداً لآخرين، سواء كانوا أقطاباً برلمانية أو رؤساء حكومات سابقة.وقد دشن عهده الجديد بإجراءات غير معهودة ترسيخاً لفكرة تميزه واستقلاليته المرتقبة، فقد عقد جولات كاللقاء المباشر برئيسي السلطتين الأخريين، مما يُظهِر فكرة الندية والأهلية في الانفتاح على السلطات دون وجل أو تهاون أو تفريط.
كما سجل سابقة مهمة عير معتادة في تاريخ رؤساء الحكومات، ألا وهي لقاؤه رؤساء تحرير الصحف المحلية في حوار مباشر ومنفتح بشأن توجهاته في المرحلة المقبلة، وظهر بثقة وقدرة على الحوار، والأهم الشفافية في الطرح، وتأكيد التزامه الدستوري وتوجهه الإصلاحي ومحاربة الفساد.نعم أَجِد كل ما سبق يدعو إلى التفاؤل والترقب لعهد مختلف، ربما يحقق ما يطمح لرؤيته الكويتيون بعد إحباطات متتالية.وأرى أن التحديات الحقيقية التي تنتظر الرئيس الجديد للوزراء هي: - أن تكون الحكومة جديدة بأعضائها وبتوجهها وتجانسها كفريق، وأن يكون أساسها رجال دولة للمرحلة من المشهود لهم بحسن السمعة ونظافة اليد والقدرة على القيام بالعبء السياسي لمهام الوزراء، وألا يكونوا من مخلفات وتركة عهود سابقة تجعلهم محمَّلين بثقل تبعات وممارسات سابقة ومشجوبة.- أن يغير في نمط تشكيل الحكومة التي أنهكتها المحاصصة والترضيات والتدخلات التي أفرزت دائماً حكومات مهلهلة وعاجزة.- أن يطلع أعضاء فريقه الحكومي على زملائهم في التشكيل لتولد الحكومة متجانسة ومتكاملة، وألا يأتي من كل قطر بوزير مناوئ لغيره، بل ومتآمر ضده زملائه.- أن يحدد توجهاته العامة، والقضايا التي تشكل جوهر التقاء حكومته في خمس قضايا أو ست، ويكون ذلك أساساً لقبول الوزارة، ومدخلاً لعرضها والالتزام بتحقيقها.- أن يظهر بتشكيل حكومته انفتاحاً على كل شرائح المجتمع، وأن يقف من الجميع على مسافة واحدة دون تفرقة أو انحياز، وأن يُظهِر شفافية وعدالة وحسماً، إضافة إلى تكريس الفرص المتساوية لتكون مرجعيته الدستور والمهنية والأداء الجاد.- إصلاح النظام الانتخابي وتطهيره من مظاهر الخلل والأمراض التي علقت به، مع تبني خريطة طريق للمصالحة الوطنية الشاملة، فالوطن للجميع، ولا يجوز إقصاء أي من أبنائه بناءً على ترسبات ماضية وصفحات مبعثرة. نعم هناك تفاؤل بعهد جديد لحكومة صباح الخالد، لكنه تفاؤل لا يقف عند التمنيات، بل ينطلق من تغييرات ونقلات كانت مفقودة وصارت اليوم أكثر إلحاحاً لتجد طريقها إلى الواقع. وسيكون تشكيل الحكومة الجديدة هو محك الحكم المفصلي عليها، وقد قيل: "الكتاب يُقرأ من عنوانه".