إيران تحت قبضة الاحتجاجات مستقبلاً!
في منتصف ليل 15 نوفمبر، أعلنت الحكومة الإيرانية ارتفاعاً صادماً في أسعار الوقود بنسبة 300%، وسرعان ما تصاعد السخط العام وتحوّل إلى احتجاجات وطنية انتشرت في أكثر من مئة مدينة، وسيطرت على البلد كله طوال ستة أيام متواصلة، قبل أن تنجح السلطات في سحقها.في الوقت الراهن، يبدو أن المسؤولين الإيرانيين نجحوا في احتواء الاحتجاجات عن طريق القمع، فاستعملت إيران هذه المقاربة، أي الوحشية المفرطة وقطع الإنترنت، لقمع احتجاجات واسعة في العقد الأخير، وفي عام 2009، نزل ملايين الإيرانيين من الطبقة الوسطى إلى الشوارع، فيما يُعرَف بـ"التحرك الأخضر"، للمطالبة بالمحاسبة غداة تزوير واسع النطاق في نتائج الانتخابات التي ضمنت إعادة انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، فعمدت القوات الموالية للنظام إلى قتل أعداد كبيرة من المحتجين، ولم تَلْقَ الهتافات المنادية بالإصلاح آذاناً صاغية، وبعدما أصر المسؤولون الإيرانيون على تجاهل مطالب المحتجين، زادت الشعارات تطرفاً وما عادت تكتفي بالدعوة إلى الإصلاح بل بسقوط الخامنئي أيضاً.لكن فشلت الجهود الرامية إلى تشويه صورة الاحتجاجات، حتى أنها أعطت أثراً معاكساً، إذ كشف شعار أطلقه طلاب من جامعة طهران ("إصلاحي! متشدد! اللعبة انتهت!") حجم خيبة الأمل التي أصابت شريحة واسعة من الشباب الإيرانيين نتيجة وضع المراوحة، فاعتُبِر الخيار بين الإصلاحيين والمتشددين خاطئاً، وفي وقتٍ سابق من هذه السنة، أكد خاتمي شخصياً على ما اشتبه فيه المراقبون الخارجيون: لم يعد الإيرانيون الذين دعموا روحاني ومعسكره يصدقون احتمال تطبيق إصلاح بطيء، وقد تطرح خيبة أملهم تهديداً على الجمهورية الإسلامية. فحذر خاتمي قائلاً: "إذا شعر الناس بالخيبة، فقد تزيد فرص نجاح كل من يريد تغيير النظام". كانت مسألة وقت إذاً قبل أن تندلع احتجاجات أخرى، لكن شعر المتظاهرون هذه المرة بسخط إضافي وكانوا أكثر استعداداً للضغط حتى تحقيق مطالبهم هذا الشهر. كان الغضب العام واضحاً ولم ينحصر في بلدات معينة من المحافظات أو في مناطق الطبقة العاملة، بل امتدّ أيضاً إلى أحياء الطبقة الوسطى في طهران، حيث شارك الناس في الاحتجاجات، كذلك، تلطخت صورة الإصلاحيين بدرجة إضافية لأن أحداً منهم لم يستنكر وحشية قوى الأمن في الشوارع. قبيل الانتخابات البرلمانية في فبراير 2020، بدأ العقد الاجتماعي بين النظام الإيراني والشعب ينهار، وخسر المشروع الإصلاحي زخمه في الوقت نفسه، وبالإضافة إلى الاستياء من صمت الإصلاحيين في وجه القمع، تتوسع مشاعر الإحباط تجاههم نظراً إلى استمرار مؤشرات الفساد والمحسوبيات في أوساط النخب السياسية، في حين يعيش الإيرانيون العاديون معاناةً كبرى بسبب العقوبات الأميركية.
يثق حكام إيران بقدرتهم على تجاوز أي اضطرابات مستقبلية عبر تطبيق مقاربتهم الاعتيادية، لكن تؤكد التظاهرات في أواخر 2017 وبداية 2018، والتحركات الأخيرة هذا الشهر، سرعة وسهولة حشد احتجاجات ضخمة، ومن الواضح أن القمع المتواصل يزيد وحدة الإيرانيين على اختلافهم (أي الطبقة العاملة والطبقة الوسطى، ولكل منها مشاكله الخاصة) ضد الجمهورية الإسلامية. إذا نشأت حركة احتجاجية أكثر تماسكاً بالطريقة نفسها، فقد يتعمق الشرخ داخل الجيش وقوى الأمن.أمام هذا الكم من التوقعات غير المُحققة وارتفاع عدد الإيرانيين الذين لا يجدون ما يخسرونه، قد يقع البلد في قبضة احتجاجات إضافية مستقبلاً، لكن إلى متى يستطيع الحكم الديني المُسنّ في إيران أن يسحق الغضب الشعبي إذا كان القمع يؤجج ذلك الغضب؟* «وحيد يوسوي »