انتصار ساحق لأنصار الديمقراطية في هونغ كونغ
في 24 نوفمبر الماضي جرت انتخابات مجلس المقاطعة في هونغ كونغ، ولأول مرة راقب تلك الانتخابات المحلية جهات دولية بسبب احتجاجات الشوارع التي استمرت هناك منذ شهر يونيو الماضي، وتركزت تلك الاحتجاجات على مطالب تحقيق في مزاعم عن قيام رجال الشرطة باستخدام العنف المفرط ضد المحتجين ولكنها هدفت بشكل أساسي الى تحقيق اصلاحات ديمقراطية حقيقية.وقد اعتبرت تلك الانتخابات تاريخية بسبب نسبة المشاركة الواسعة فيها والتي بلغت 71.2 في المئة وهي الأعلى بين انتخابات أي مجلس تشريعي وأي انتخابات مقاطعة في الماضي. وتمكنت كتلة أنصار الديمقراطية من استعادة مركزها عبر الفوز ليس فقط في 17 مجلساً من أصل 18 من مجالس المقاطعة (وكانت كتلة أنصار بكين تسيطر على كل المجالس من قبل) بل ان المدهش أيضاً أن ذلك ينسحب على حوالي 90 في المئة من كل المقاعد ماعدا مقاطعتين هما تاي بو ووونغ تاي سن حيث تعرض السكان الى قنابل غاز مسيل للدموع بشدة طوال أشهر عديدة.وتعادل مجالس المقاطعة الـ 18 المشار اليها المجالس البلدية في دول اخرى وقد تكون أقل قوة وتأثيراً منها وهي على أي حال المؤسسات الانتخابية الوحيدة في هونغ كونغ التي تتمتع بحق تصويت عام في كل دائرة انتخابية، كما أن كل مجلس – على الرغم من عدم قدرته على اصدار أي قوانين نافذة فعلياً هو المسؤول عن وضع الميزانية التي تحددها الحكومة كل عام وتكون بشكل رئيسي لأغراض البنية التحتية في المجتمع أو الأنشطة التي تخدم أحياء المدينة.
رسالة قوية
وتوجه نتائج الانتخابات رسالة قوية وواضحة جداً الى المجتمع الدولي وبكين تقول إن مواطني هونغ كونغ يظنون أن الحكومة والكتلة الموالية لها – وليس شريحة أنصار الديمقراطية – هي التي يجب أن تتحمل مسؤولية الفوضى التي تسود الشوارع، وذلك على الرغم من التصعيد الواسع في أعمال العنف. وهكذا فقد عوقبت كتلة بكين كلها بسبب الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها بصورة متواصلة والتي تشمل المصادقة على مشروع قانون تعديل المبادلة، على الرغم من المعارضة، كما أنها خذلت أنصارها الذين يتوقون الى الاستقرار.وبالنسبة الى معسكر أنصار الديمقراطية نستطيع أيضاً أن نرى تحالفاً مؤقتاً بين الديمقراطيين التقليديين والقادمين الجدد من غير الحزبيين الأكثر تعاطفاً مع المحتجين المتشددين. وكان مبدأ عدم قطع العلاقات بين المحتجين المعتدلين والمتشددين – وهو من المبادئ الرئيسية لدى أنصار الليبرالية في هونغ كونغ، قد تم تطبيقه بدقة في الانتخابات الأخيرة، كما أن معظم الدوائر الانتخابية تمكنت بصورة ناجحة من تفادي الاقتتال الداخلي وتمت تسوية المنافسة بين مرشحي أنصار الليبرالية عن طريق المفاوضات، وساعد ذلك على تطوير هوية مشتركة أكثر قوة في صفوف مرشحي أنصار الليبرالية في كل المقاطعات، وهي خطوة وفرت طريقة جلية بالنسبة الى الجماهير من أجل التعبير عن المظالم من خلال صناديق الاقتراع.أكثر من رمزية
وتجدر الاشارة الى أن تأثير تلك الانتخابات كان أبعد كثيراً من مجرد السمة الرمزية، وفي حقيقة الأمر فإن مجالس المقاطعة في هونغ كونغ معروفة بهيمنتها المريبة، كما أن الكثير من مشاريع البنية التحتية المكلفة والمجزية التي قامت بها تلك المجالس قد تحولت الى جوائز مربحة لصالح شريحة أنصار كتلة بكين عن طريق التلاعب بالمناقصات، ومن هذا المنطلق فإن الفوز في معظم مجالس المقاطعة سوف يضع حداً لتلك التجاوزات بصورة أكيدة الى حد كبير.ويتجاوز دور مجالس المقاطعة كثيراً التصويت على قضايا محلية حيث يتطرق الى الاستخدام السليم لمصادرها وسلطتها على المصادر المالية، واضافة الى ذلك فإن ذلك الدور يشمل توفير مساعدة جوهرية الى المعتقلين، وخلال فترة عمل تلك المجالس التي تمتد الى أربع سنوات يحصل كل مجلس على حوالي خمسة ملايين دولار محلي (حوالي 638.800 دولار أميركي) بما في ذلك رواتب الموظفين ومساعدات ايجار المكتب ورواتب المساعدين والنثريات. ثم إن استخدام تلك المصادر من أجل مساعدة معتقلي الاحتجاجات قد أصبح منصة بالنسبة الى البعض من منظمي حملات أنصار الديمقراطية، وإضافة الى الدعم المالي يحق للمستشارين زيارة السجناء مرتين في الشهر. وهذه الموارد المشجعة على اختلافها تمثل الأسباب الرئيسية التي تدفع الناس الى الاستمرار في حملات الترشيح أو التصويت على الرغم من خيبة أملهم التامة من حكومة هونغ كونغ والمؤسسات السياسية. أما بالنسبة الى المؤسسات السياسية الأخرى، فيمكن للمستشارين في المقاطعات القيام بدور وسطاء التصويت القادرين على التأثير على حصيلة انتخابات المجلس التشريعي في العام المقبل، ولذلك اعتبرت انتخابات مجلس المقاطعة مؤشراً على جانب كبير من الأهمية بالنسبة الى انتخابات المجلس التشريعي، وذلك لأن كتلة أنصار الديمقراطية تستطيع ضمان الحصول على مقعد واحد من بين 35 مقعداً في تلك الدائرة الانتخابية الأقل ديمقراطية في المجلس التشريعي، والتي كانت تؤيد كتلة بكين طوال عقود من الزمن.من جهة أخرى، سيكون بوسع كتلة أنصار الديمقراطية ضمان الحصول على 114 مقعداً من أصل 1200 مقعد في اللجنة الانتخابية للرئيس، والتي سوف تضع بكل تأكيد الصين تحت درجة طفيفة من الضغط عندما يتعلق الأمر بحماية السيطرة على الأكثرية في تلك اللجنة.حصيلة الانتخابات
سوف يفضي الانتصار في انتخابات مجلس المقاطعة بشكل مؤكد الى تقوية الجناح المؤيد لأنصار الديمقراطية بطرق كثيرة ومتنوعة ولكن الشعب لا يستطيع تجاهل الخطر الكامن والمحتمل من نتائج تلك الانتخابات، وفي المقام الأول يتعين على الشعب أن يدرك أنه على الرغم من المشاركة الواسعة في الاقتراع والتي وصلت الى أعلى مستوى لها على الاطلاق فإن توزيع التصويت يظهر أن كتلة أنصار بكين تستطيع تأمين ما لا يقل عن 40 في المئة من الأصوات وهي النسبة الطبيعية التي حصلت الكتلة عليها خلال الانتخابات القليلة الماضية، وذلك يعني في حقيقة الأمر أنها لا تزال قادرة على الاعتماد على الأصوات التقليدية على الرغم من فشلها في الانتخابات الأخيرة.وإلى جانب توزيع الأصوات وبسبب النظام الانتخابي المختلف في مجالس المقاطعة والمجلس التشريعي فإن من غير المحتمل الى حد كبير أن يتكرر هذا الانتصار الساحق في انتخابات المجلس التشريعي في العام المقبل. وتجدر الإشارة الى أن الدوائر الانتخابية العاملة والتي تعد 35 مقعداً من أصل 70 مقعداً ذاتية المصلحة ولذلك فإنها تفشل دائماً في اكتساب دعم الجماهير، كما أن الدوائر الجغرافية التي تعد أيضاً 35 مقعداً قد توزعت بصورة نسبية على خمس دوائر بحسب عدد السكان، وسوف تضمن نسبة معقولة من المقاعد الى مرشحي كتلة أنصار بكين الذين لا يزال في وسعهم السيطرة على حوالي 41 في المئة من الأصوات.ضمان أكثرية الأصوات
تستطيع كتلة أنصار بكين التي تشتهر بتكتيكاتها الانتخابية الناجحة ضمان ما لا يقل عن عدد الأصوات التي تحقق لها الأكثرية في المجلس التشريعي.وأخيراً، من المؤكد أن كتلة أنصار الديمقراطية قد حققت درجة من التقدم – الرمزي والجوهري – في الانتخابات المحلية الأخيرة، ولكن يتعين على الشعب أن يتذكر أن الأصوات والمقاعد لن تضمن تحقيق المطالب الخمسة التي تشمل سحب مشروع قانون المبادلة والتراجع عن صفة «الشغب» بالنسبة الى الاحتجاجات، وتبرئة المحتجين المعتقلين، والتحقيق في ممارسة الشرطة للعنف المفرط وتطبيق طريقة التصويت العام في انتخابات المجلس التشريعي والرئاسة كما أنها لن تعوض خسائر المحتجين الناجمة عن قسوة الشرطة في هونغ كونغ وأفضت الى اراقة دماء. ومن المؤكد أن هدف المحتجين ليس الحصول على مقاعد نيابية بل ضمان حرية هونغ كونغ – ويمكن لمؤيدي كتلة أنصار الديمقراطية التباهي بما حققوه ولكن هذه الانتخابات يجب ألا تمثل غاية بل وسيلة من أجل تحقيق الديمقراطية ويتعين عليهم أيضاً أن يتذكروا من ضحوا بأرواحهم لبلوغ ذلك الهدف.