مسكين يا الأزرق!
إخفاق منتخبنا الوطني في «خليجي 24» لم يكن صدمة كبيرة حتى يلاقي هذا الموج العالي من الاستياء الجماهيري بقدر ما كان المشهد فاصلاً مسرحياً ذهب ضحيته شباب الأزرق الذين لم يسلموا من سيل "الطنازة" والاستهجان والنقد دون أي اعتبار لشخصياتهم وأهلهم ومحبيهم، في حين لم نجد أي مؤشر على تحمّل معازيب الرياضة الكويتية وأصحاب البشوت والنفوذ روح المسؤولية و"قص الحق" من أنفسهم والاعتذار ومغادرة مناصبهم فوراً، إكراماً للكويت أو إقالتهم من قبل من هم أكبر منهم.نعم نحب الأزرق ونطمح للفوز والتفوق في الملاعب، لكن فاقد الشيء لا يعطيه، ولا يمكن أن نحلم بمثل هذه الطموحات في ظل الانهيار الشامل لجميع مؤشرات التنمية وجودة الأداء على مختلف الصعد في البلد، وتفشي الفساد بكل أنواعه في كل المستويات دون استثناء، فالرياضة تبقى أحد مؤشرات نجاح الدولة، وفي بداية الثمانينيات من القرن الماضي لم يكن الأزرق الكويتي من وصل إلى منصات التتويج العالمية بالمصادفة أو بضربة حظ إنما من خلال الكويت كدولة ومؤسسات ورجالات وبرامج وجهد ومثابرة، والأهم من ذلك روح الوفاء والإخلاص، فالأزرق الرياضي في وقته كان يتناغم في الارتقاء نحو القمة جنباً إلى جنب مع تألق الفن والأدب، ومع تطور المسرح والصحافة ومع قوة الاقتصاد والرقي السياسي، وكل ذلك في إطار تنموي في كل أبعاده.
كما أن قوة المنتخب كانت مستمدة من قوة الرياضة المحلية، فخلال العهد الذهبي للكرة الكويتية كان الدوري الكويتي مشتعلاً في أوج المنافسة من بداية الموسم حتى نهايته، وانحصر فارق النقاط بين بطل الدوري ووصيفه إلى نقطة واحدة ونقطتين في الغالب، ودخلت فرق جديدة لتزاحم الأندية الكبار كالعربي والقادسية والكويت في حصد البطولات، فشهدت المواسم الرياضية انتزاع أندية السالمية وكاظمة والجهراء والفحيحيل لألقاب الدوري العام وكأس الأمير، وكان نجوم الأزرق من مختلف أندية الدرجة الأولى والثانية، ولم تكن تشكيلة الفريق الوطني مجرد لاعبي فريق واحد ارتدوا الفانيلا الزرقاء فقط. وكانت ملاعبنا هي الأولى من نوعها على مستوى الخليج الذي شهد ولادة أربع دول فتية هي قطر والبحرين والإمارات وعمان، ولكن وصلت بنا الحال أن استاد جابر يستغرق أكثر من 10 سنوات حافلة بالتأخير والشبهات وسوء التصميم والعيوب الإنشائية ويفتتح بالدز، في حين تدشن قطر خلال المدة الزمنية نفسها ستة ملاعب دولية وفق أنظمة البناء الذكي لاستضافة كأس العالم، وتفتتح أكبرها قبل الموعد بثلاث سنوات، في حين أن أيقونة استاد الجوهرة في السعودية لا يستغرق بناؤه 48 شهراً!الصراع السياسي على الرياضة الذي دام عقداً من الزمن تحت شعار كسر هيمنة الرجل الواحد انتهي أيضاً باحتكار الرجل الواحد، واختزلت معايير اختيار اللاعبين والجهاز الإداري والجهاز الفني، وحتى الهيئات والاتحادات الرياضية في قرارات فردية، يحكمها النفوذ وتحددها الولاءات الشخصية ودرجة التزلف والتملق، في نسخة مكرر لكيفية إدارة شؤون البلد بدءاً من تعيين الوزراء وانتهاءً برؤساء الأقسام والإدارات الحكومية.الرياضة في الكويت حالها حال المؤشرات الاقتصادية والتنموية ولا يمكن أن تنجح في ظل الفساد الذي خطف البلد بمن فيه نحو الهاوية وأخذ المستقبل نحو المجهول، فلا تلوموا الأزرق المسكين ولا تفرغوا الغضب الشعبي في مجموعة من الشباب لا حول لهم ولا قوة كما هو وضع شبابنا في كل القطاعات!