تحتل الكويت المركز التاسع عالميّاً في انتشار الإنترنت بالنسبة إلى عدد السكان بمعدل ٩٨%، وهي الرابعة عالميّاً في انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بنسبة ٩٢%، وذلك وفقا لتقرير الحالة الرقمية في العام ٢٠١٩ الذي تصدره مؤسسة "Hootsuite" ووكالة التسويق الرقمي "We Are Social" سنويّا. الغريب في الأمر أن الدول المتقدمة أتت في المراكز الأخيرة في معدلات الاستخدام اليومي للإنترنت على الهاتف والحاسب، حيث كانت اليابان وألمانيا وفرنسا في ذيل القائمة، خصوصا من حيث استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أرى أن هذه النتائج تخفي وراءها الكثير.
نلجأ كثيرا إلى هواتفنا الذكية، خصوصا في غياب البديل الترفيهي الجيد وسوء تصميم المدينة، فنحن شعب مرفه نملك الكثير من وقت الفراغ غير المستغل بصورة جيدة. قد نتجنب الخروج بسبب الازدحام وتكدس السيارات أو بسبب الطقس السيئ- والمتأثر بتصميم المدينة وسلامتها البيئية بشكل كبير- فنصبح أكثر التصاقا بهواتفنا. نلاحظ أن الشعوب المتقدمة سالفة الذكر غالبا ما تكون مشغولة بالعمل والإنتاج، وتقضي أوقات فراغها في زيارة المعارض والمتاحف أو في ارتياد الحدائق الجميلة. وفي هذه البيئة الاستهلاكية، فإن خدمات التوصيل انتشرت بشكل هائل للأطعمة ومختلف المنتجات، بل حتى الكتب! فأصبح لا حاجة إلى الخروج والتواصل مع الآخرين في العالم الحقيقي، مما يؤدي إلى عزلة الأفراد أكثر فأكثر حتى بين أحبابهم وفي "ديوانياتهم"! فنحن قد نلجأ لهواتفنا أكثر من البشر، أما المحتوى فهو رديء في غالبه، حيث يتم تداول الإشاعات والمعلومات الخاطئة التي تؤجج الرأي العام على قضايا هامشية، فنحن لم نحسن استخدام الإنترنت والاستفادة منه.وبسبب هذا الفراغ والتفكك على أرض الواقع أصبحنا نعيش حياة افتراضية، نعطي فيه "التغريدة" أكبر من حجمها، ويكون فيديو سخيف لأشخاص تتسول الاهتمام قضية الأسبوع ثم ننساها تماما الأسبوع اللاحق، فأصبحت ذاكرتنا "سمكية" تحت التعرض لسيل المعلومات بشكل مستمر!كذلك يعيش الكثير منا هذه الحياة الافتراضية عن طريق متابعة مشاهير "السوشيال ميديا"، ولا سيما النساء من الخلفيات المتشددة التي تحدد خياراتهن الحياتية بشكل ضيق جدا، كأين تذهب ومن تصادق وماذا ترتدي وكيف تعبر عن ذاتها، فتصبح متابعة "الفاشنستات" تنفيسا وهروبا من الواقع. لا عجب! إذ إننا بلد الألف مشهور! فعندما تصبح "السوشيال ميديا" منصة بهذه الأهمية تصبح الشهرة على أرضها الافتراضية مقياسا للنجاح. والغريب أنه لا أحد يتكلم عن المساوئ الصحية لاستخدام الهاتف ومشاهدة الشاشات الإلكترونية لفترات طويلة كل يوم كتأثيره على المفاصل والإبصار والإجهاد الذهني وتشتيت الانتباه وإضعاف الذاكرة. أعتقد أن هذه المشاكل الصحية ستكون أكثر وضوحا بعد عقد من الآن.هنالك بوادر طيبة لحراك ثقافي مميز، من محتوى مقروء أو فنون مرئية ومسموعة أو تجمعات ثقافية تعنى بالإبداع والكتاب أنشأها شباب الكويت من مبدعيها، وهي قد تسد نقصا الأولى بالجهات المعنية أن تسده بالتعاون مع هؤلاء، فلندعمهم أو نتركهم وشأنهم يزهرون، فذلك أضعف الإيمان.*"لا يمكننا لوم التكنولوجيا حينما نرتكب نحن الأخطاء". (تيم بيرنرز لي)
مقالات - اضافات
حياة افتراضية
06-12-2019