التربية جهاد
يواجه أبناؤنا في وقتنا المعاصر «عصر العولمة» تحديات كثيرة وأخطاراً كبيرة على جبهات عددية كثيرة تتربص بهم مثل الإنترنت، والفضائيات، والموبايلات، وانتشار المخدرات والمسكرات والتدخين ورفقاء السوء... إلخ. وقد ذكرت صحيفة «الجريدة» قبل فترة أن المستوى الأخلاقي للطلبة في انحدار شديد، وبلغ عدد المخالفات السلوكية التي ارتكبها الطلبة في العام الدراسي 2018/ 2019م 36529 مخالفة سلوكية!! لذا يجد المربون صعوبة بالغة في تربية الأبناء، ولا أبالغ إذا ما قلت إن التربية في عصرنا الحالي تعتبر جهاداً حقيقياً لكنه جهاد لا قتال فيه، وقد قيل قديما: «من السهل أن تبني منزلا ومن السهل أن تبني مصنعاً ولكن من الصعب أن تبني إنسانا». وسأذكر لكم قصة حقيقية واقعية تبين أن التربية جهاد: «يقول آرون غاندي حفيد الزعيم مهاتما غاندي كنت في السادسة عشرة من عمري، وأعيش مع والدي ووالدتي في المدينة الجامعية، وتبعد عن مدينة ديربون بجنوب إفريقيا 25 كيلو متراً وفي يوم طلب مني والدي أن آخذه إلى مدينة ديربون لإنهاء بعض الأعمال المهمة وعمل صيانة للسيارة. وعندما وصلنا المدينة قال لي والدي بحزم: سأنتظرك هنا في الخامسة مساء، لا تتأخر، أخذت السيارة إلى الورشة لصيانتها، ومن ثم ذهبت إلى السينما لمشاهدة أحد الأفلام المفضلة لدي. وعندما خرجت من السينما كانت الساعة قد جاوزت الخامسة، فذهبت مسرعاً إلى الورشة لآخذ السيارة، وانطلقت بها إلى مكان والدي، وكانت الساعة تقترب من السادسة، وعندما وصلت سألني والدي عن سبب تأخيري فقلت له إن السيارة لم تكن جاهزة... ولم أعلم حينها أنه اتصل بالورشة! وعرف أني كذبت عليه، ونظر إلي بحزن شديد، وقال: هناك خطأ في الطريقة التي قمت فيها بتربيتك، والتي لم تعطك الثقة الكافية لكي تخبرني بالحقيقة، ولكي أعرف أنني أخطأت في تربيتك فإنني أحتاج وقتاً للتفكير في الأمر، وهذا يتطلب مني السير 25 كيلومتراً على قدمي إلى البيت. أخذ الأب يمشي حزينا على قدميه ليلاً وابنه خلفه يقود السيارة ببطء، واستغرق الوقت 5.30 ساعات للوصول الى البيت، فقررت وقتها وصممت ألا أكذب أبدا في حياتي، والتصرف السلمي وغير العنيف من والدي لا يزال عالقا في ذهني مدى العمر، فهو أفضل بكثير من العقاب البدني التقليدي الذي تختفي آثاره ويُنسى مع الأيام».نلاحظ أن والد آرون أعطى ابنه درساً بليغاً وصعباً في التربية، والنتيجة استيعاب وفهم آرون درس أبيه وتصميمه على عدم الكذب نهائيا، وهذا يؤكد لنا ما قصدته في عنوان مقالي بأن التربية حاليا تعتبر جهاداً حقيقياً لا قتال فيه.
* آخر المقال:«جذور التربية مرة لكنّ ثمارها حلوة»