هل يقود «الشعبويون القوميون» المرحلة الانتقالية في العراق؟
حتى زعيم تيار «الحكمة» العراقي عمار الحكيم، الذي هاجم محتجون متطرفون ضريحَ عمه في النجف، انخرط في دعم حكومة مؤقتة ترعى انتقالاً سياسياً في العراق، بعد شهرين من أوسع احتجاجات تشهدها البلاد وأدت إلى سقوط عشرين ألفاً بين قتيل وجريح، وحظيت بتعاطف دولي كبير، لكن المهمة لا تزال معقدة، والأسئلة حول معنى الانتخابات المبكرة بإشراف الأمم المتحدة لا تنقطع، وسط غضب ورفض لهذا الخيار من حلفاء إيران في البرلمان العراقي، علناً في السابق، وسراً بالأيام الأخيرة.وبعد استقالة رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي رفضت أكبر كتل البرلمان تقديم مرشح عنها لخلافته، وطلبت الاتفاق على شخصية مستقلة تشكل وزارة غير حزبية تحظى بموافقة حركة الاحتجاج، وجرى رفض أسماء كثيرة طُرحت حتى الآن، دون مسار واضح للاتفاق حتى انتهاء المهلة الدستورية خلال ١٥ يوماً من تاريخ الاستقالة في مطلع الشهر الجاري.ويقول الخبراء إن الأحزاب التقليدية، وخصوصاً الكتل النيابية في برلمان العراق، المتحالفة مع طهران، تخشى خيار الاقتراع المبكر الذي تشرع له الحكومة الانتقالية قانون انتخابات جديداً، وتوفر له رقابة دولية، لأن ذلك سيمنع التلاعب القانوني والتنفيذي، وسيحرم حلفاء إيران من نحو مئة مقعد تمثل ثلث البرلمان الحالي، وهي مقاعد كثيرة نتجت عن انتخابات في وضع غير مستقر أعقب انتهاء الحرب الطويلة على «داعش» في ربيع 2018.
كما أن حلفاء إيران الشيعة والسنة في مجلس النواب فقدوا شعبيتهم بنحو صارخ خلال قمع الاحتجاجات الحالية، التي جعلت من جنرال حرس الثورة قاسم سليماني هدفاً يُلقى عليه باللوم في القمع وعرقلة عمل الدولة، مما يعني نتائج مغايرة جداً خلال الانتخابات المتوقعة في ربيع العام المقبل، من شأنها تغيير الخريطة السياسية في البرلمان لمصلحة تيار الوطنية العراقية الصاعدة، على حساب المتحالفين مع طهران. إلا أن ذلك لا ينهي قلق دول الجوار والتيار المعتدل في السياسة العراقية من وجود شعارات متشددة ضمن الاحتجاجات، الموصوفة بأنها صوت المغالاة والشعبوية الناتج عن قمع طويل وتدخلات خارجية أغضبت الرأي العام طوال سنوات، وولدت خطاب كراهية شعبوياً ضد مبادئ متعقلة في دستور العراق، مثل الفدرالية التي استفاد منها إقليم كردستان، واتفاقيات نزع التوتر مع المحيط الإقليمي، وخصوصاً مع الأطراف الخليجية ومنها الكويت، حول مستقبل الحدود والشراكات الاقتصادية وسواها.ويبذل صانعو الرأي والنخب المثقفة جهوداً كبيرة لتخفيف الشعارات المتشددة داخل تيار المغالاة الوطني ضمن حركة الاحتجاج، مشيرين إلى أن ظهور شعارات متطرفة أمر طبيعي وسط تزايد القمع والمماطلة، كما أن ظهور كتلة نيابية كبيرة في البرلمان المقبل تتبنى شعارات المحتجين، لن يكون تهديداً لشركاء العراق ولا الاتفاقيات الوطنية والإقليمية التي تضمن نزع التوتر الداخلي والخارجي.ويتبنى تيار واسع داخل حركة الاحتجاج شعاراً وسطياً هو «تصحيح العلاقات» ضمن الاتفاقات الداخلية مع إقليم كردستان، أو مع المحيط الإقليمي والدولي، وهو وإن أحيط بمواقف مغالية أحياناً، فإنه ينطوي على محاولة تطمين لغضب الجمهور الذي لا يثق بمعظم المواثيق التي أبرمتها أحزاب النظام السياسي المنبثق بعد سقوط نظام صدام حسين.ويرى المراقبون أن تراجع نفوذ إيران في البرلمان المقبل سيتيح أجواء حوار صحي أكبر حول معايير توزيع السلطة والثروة داخل العراق مع الأكراد وغيرهم من مؤيدي الفدرالية، كما سيضمن حواراً أجدى وأعمق مع المحيط الإقليمي للعراق، لأن هناك إدراكاً لدى الجمهور بضرورة الشراكة الاستراتيجية مع الدول المعتدلة في المنطقة لإنعاش اقتصاد العراق وحماية أمنه وأمن المنطقة.