بعد سنوات عجاف صاحبت الأزمة المالية العالمية أواخر 2008، عادت عجلة الاستحواذات في بورصة الكويت من جديد وبقوة، حيث شهدت أكثر من صفقة منافسة وتزاحم عروض على بعض الحصص الاستراتيجية التي كانت مستهدفة. لكن اللافت في سلسلة الاستحواذات الأخيرة في السوق، أن هناك وجوها جديدة ومستثمرين جددا، بعضهم بشكل مباشر، وآخرون بشكل غير مباشر عبر ممثلين في الواجهة، ما بين صناديق مؤسسة في الخارج، أو أذرع محلية من أفراد وغيرهم.
وفي خضم تلك الاستحواذات وعمليات السيطرة يطرح المراقبون سلسلة استفسارات عن مقاصد المستحوذين الجُدد من تلك العمليات، وعن مدى وجود استراتيجية لعملياتهم، أم هي مجرَّد وجاهة وحضور اجتماعي و"رزة" بلا منفعة للشركة ومساهميها. فهناك مبالغ كبيرة تم ضخها في الاستحواذات، بعضها محفوف بمخاطر الاستحواذ الإلزامي، الذي يترتب عليه مبالغ كبيرة، كما أن عمليات الشراء في الاستحواذات تمت بأسعار أعلى من سعر السوق بما يتراوح بين 10 و20 في المئة تقريبا. ورصد مراقبون ماليون ومصادر استثمارية جملة أسباب لعودة الاستحواذات، ونشاط صفقات السيطرة بالتوافق، ومن أبرز تلك المبررات ما يلي: 1- مجاميع وأطراف استثمارية فردية لديها ملاءة مالية ووفرة في الكاش، وتبحث عن فرص استثمارية رابحة منذ اليوم الأول، لذلك تم استهداف عدد من الفرص في السوق التي تتميَّز بوجود سيولة وكاش في الشركة أو أصول عقارية حُرة، وكذلك شركات خالية من المشاكل والقضايا.2- استهداف شركات مُدرجة لا مُلاك واضحين لها في هيكل الملكية، بل تُدار من جانب مجموعة من المستفيدين والمنتفعين الذين لديهم حضور وقدرة على تجميع توكيلات وأصوات تساعدهم في الجولة الثانية من انعقاد الجمعية العمومية، التي تنعقد بمن حضر بأقل أسهم ممكنة، وغالبا ما يكون تحت تلك الكيانات أصول خارجية أو حصص استراتيجية في شركات جيدة أو محفظة أسهم ممتازة. 3- بعض المستثمرين أصحاب السيولة الذين يقصدون البورصة للمرة الأولى يبحثون عن "البشت"، حيث إن الأسهم المدرجة تعطي نوعا من الوجاهة المالية والحضور في الصفوف الأمامية، وبالتالي تكون تلك الحصص لزوم الحضور ضمن قوائم المستثمرين الكبار والصف الأول من رجال الأعمال. 4- صفقات تأتي من باب الحضور أمام القطاع المصرفي، الذي لا يعترف في بعض الأحيان بملفات شركات أهلية وعائلية، وبالتالي يتم استخدام الشركة المدرجة كواجهة وإدراج بعض الملكيات العالية تحتها، بعد إتمام وإحكام السيطرة على الشركة الأم.5- عمليات سيطرة إجبارية تأتي ضمن إطار المجموعة الواحدة في حالات التصفية والبيع العام للأصول، وبالتالي يتم شراء الحصص الجيدة والاستراتيجية، خصوصا الفرص التي يصعب تعويضها أو إعادة بناء كيان مشابه، في ظل تلك الظروف، فضلا عن أنها تكون أصولا ذات صبغة سيادية، لما تنتجه من منتجات ثقيلة. 6- مجاميع عائلية دخلت من خلف شركات مساهمة، وقامت بعمليات سيطرة على شركات تخدم نشاطات لديها، كالتمويل وعمليات التجزئة، وبالتالي بدلا من التعامل مع شركات أخرى يمكن الاستحواذ على شركة أو أكثر تكمل النشاط العائلي.7- بعض الشركات التي يتم استهدافها تكون فيها أصول عقارية بمناطق استراتيجية وبعض الرخص في أنشطة أخرى، واستهداف الشركة الأم في البورصة يكون أرخص بكثير من ثمن تملك أرض منفصلة أو رخصة ما من الرخص التي تحتاج إلى توفيق أوضاع وسلسلة من الإجراءات والموافقات والأنظمة التقنية على سبيل المثال مثل قطاع الوساطة. 8- بعض الاستحواذات تأتي من باب الثقة المستقبلية في السوق المالي بعد الخصخصة، وأن البورصة مستقبلها آتٍ لا محالة، قناعة بإدارة القطاع الخاص، وبالتالي جزء منها يأتي رهانا، خصوصا في ظل ضيق ومحدودية الفرص. 9- اللافت في خضم تلك الاستحواذات، انفتاح شهية البنوك على تمويلها، حيث موَّلت بعض البنوك استحواذات بقيمة تربو على 50 مليون دينار، برهن تلك الأسهم قبل سنوات قليلة.
محاذير وأخطاء
وما بين عودة الاستحواذات ودخول مجاميع جديدة وأسماء للمرة الأولى في البورصة، قالت مصادر مالية بمجاميع مرموقة، إن هناك محاذير يجب الانتباه لها، لعدم الوقوع في أخطاء مجاميع سبقت، ومن أبرزها: • بصمة التطوير والإضافة للكيان الذي تم الاستحواذ عليه أمر ضروري، حتى لا تتكرر أخطاء مضت، حيث يستهدف الجميع السطو على الأصول، والتربح على حساب صغار المستثمرين. • ضرورة مراعاة حقوق صغار المساهمين، والتحلي بالشفافية المطلقة، مواكبة للنهج الجديد الذي يعيشه السوق عموما. • ضرورة العمل على توزيع أرباح نقدية من باب الشراكة والإيجابية، حيث إن بعض المجاميع في البورصة منذ 11 عاما لم توزع فلسا واحدا للمساهمين. • عدم العبث بأصول وممتلكات الشركة والهروب منها، وتغيير اسمها، وطمث الملامح لإخفاء الجرائم. • عدم بيع أصول سيئة على الشركة، وبيع أصول جيدة من ممتلكاتها، لإفادة أشخاص محددين. • عدم التلاعب بالأسهم والقفز من الشركة في غفلة من الجميع وترك مَن فيها للغرق. • الحرص على تشكيل مجلس إدارة ذي كفاءة وأمانة، لا مجموعة من المنتفعين يتداولون السهم باستغلال معلومات داخلية.• عدم التعامل مع الشركة المدرجة على أنها خاصة وعائلية ولا أحد له حق المناقشة. ورغم أن تلك الممارسات عفى عليها الزمن، فإن هناك مَن يحاول أو يسعى إلى تكرارها، لكن الجهات الرقابية كانت بالمرصاد.