وصف أحد الكتّاب الكويتيين قومه "الكوايتة" وفي محاولة منه لنحت مصطلح للهوية الوطنية بأنهم كسالى ونهابة وسراق مال عام ومتحايلون ونصابون على الدولة! بدليل هوية سارقي مكافأة الصمود، ومدّعي الإعاقة، وسارقي بدل البطالة، ومزوّري الشهادات المرضية والزواج والميلاد، وأخيراً تزوير شهادة "لا إله إلا الله"- حسب قوله- لقاء دراهم معدودات! ولا أدري لماذا لم يذكر أيضا في لائحة اتهامه لفسادنا المستفحل كاسري الإشارات الحمراء في الليالي الظلماء، وسارقي الجوكر والميكر في باون الكوت بوستة، ومختلسي القطيات في جمعة الكشتات! ولا أعلم أيضاً لمَ أغفل ذكر فلان الذي يختلس النظر إلى محبوبته فلانة، ويعدّ الثواني في انتظار لقياها، فهذا التغاضي سهو لا يغتفر، ففلان المختلس للنظرات فاسدٌ قيسيٌّ مأفون ساهم مع ليلاه فلانة بنت علان في تمزيق هويتنا الوطنية، وجعل سمعتها في الحضيض؟!
ومع كل الاحترام للكاتب، لكن كل ما ذكره يشكل فقط زبد بحر، وهذا الزبد سيذهب حتماً جفاء مع أول شعاع لشمس تفهّم وعقلانية، وكل ما عليه هو أن يترك شماسي الأبراج العاجية المنثورة على شاطئ التنظير المريح، ويخوض ولو قليلاً في بحر مفاهيم الوطنية، ويجدّف في قارب تاريخنا الماضي والحاضر لعله يصل إلى مرسى عادل أو ميناء منصف، يجعله أكثر عمومية في مصطلحاته ليوفيها حقها، وأقل تعميماً في وصفه لكي لا يغمطنا حقنا.لا تحتاج الهوية الوطنية الكويتية إلى شاهد، فهي ومنذ تأسيس هذا الوطن نجمة صباح مشاهدة في كبد سماء التاريخ، صمود الوطن منذ تأسيس الكوت الصغير حتى تحرير الكويت الكبير دليل على وجود غمد هوية وطنية سلّ منها سيف الصمود والتحدي، هوية ولدت من رحم ولائنا، وكبرت في حضن تاريخنا، وترعرعت ونمت مع كل تجربة خاضها وطننا، فكانت قبل كل الأسوار سورنا الأعظم الذي أحاط بمعصميه مصيرنا حتى اليوم، هوية شكلها عقد اجتماعي من (١٨٣) مادة كونت هوى وعشقاً وطنياً عابراً لقارات الطوائف والمذاهب والولاءات الخارجية، هوية لا يلغيها وجود حالات سيئة هنا وهناك، فهذه كلها مجرد منخل لن يستطيع حجب شعاع هويتنا الوطنية، وصدق المتنبي حين قال:خُذْ ما تَراهُ وَدَعْ شَيْئاً سَمِعْتَ بهِ في طَلعَةِ البَدرِ ما يُغنيكَ عن زُحَلِأخيراً معشر الكتّاب والساسة والمغردين، وكل من يعزّ عليكم، نحن هنا مجرد مجتمع بشري خطاء، نصيب فنحمد الرب ونسبحه، ونخطئ فنستغفره ونحوقل، ولن نكون يوما مجتمعاً ملائكيا، فلا تجعلوا منا شياطين ترقص في محافل أقلامكم، لترجمونا بتحلطمكم الجائر، ولتحملونا ذنب تفاحة آدم التي سقطت يوما من فوق أغصان شجرة محابركم على رأس نيوتن أوهامكم، لتكتشفوا بعدها "قانون الكاذبية" وتتسلطوا علينا بعدها بقوانينكم المثالية ومعادلاتكم الحلمنتيشية! ارحمونا.
مقالات
خارج السرب: الهوية الكويتية و«لاجوكر الكوت بوستة»
11-12-2019