رغم انتهاء الاكتتاب في حصة المواطنين بأسهم شركتي بورصة الكويت وشمال الزور الأولى، وما تبعهما من تخصيص للأسهم على المكتتبين، فإن الدروس المستفادة مما رافق العمليتين لم تُطوَ بعد، خصوصا من جهة تعزيز الإيجابيات ومعالجة السلبيات التي رافقت عمليتي الاكتتاب، في وقت حددت خطة التنمية الحالية نحو 20 شركة أو قطاعاً للطرح الأوّلي عبر الاكتتاب العام في مختلف القطاعات الخدمية والتشغيلية، مما يجعل التعزيز والمعالجة استحقاقا مهما في سبيل تقديم أفضل خدمة للمكتتبين في الاكتتابات العامة القادمة.وأول ما يستحق طرحه للنقاش هو تأكيد أن الاكتتابات العامة هي أبعد من مجرد خيار تمويلي لسداد رساميل الشركات العامة، إذ إنها تتعدى ذلك الى المساهمة في دعم شبكة الأمان المالي بكل مفاهيمها الاستثمارية والادخارية للطبقة المتوسطة من المواطنين، مما يتطلب اتخاذ إجراءات جديّة بعدم حرمانهم منها أو تخريبها، وبالتالي فإن تعرّض هذه الشركات لشبهات المخالفة الشرعية هو أمر لا يصب في مصلحة المكتتبين الذين ضاعت عليهم فرصة الاستثمار في هذه الشركات، لوجود موانع شرعية، وبغضّ النظر عن التعمق في قضايا الافتاء وتعريف الربا وحتى في صدور الدعوة من وزارتي التجارة والمالية من خلال هيئتي أسواق المال والشراكة مقابل صدور فتوى من وزارة الأوقاف بتحريم الاكتتابين، فإن الهدف الأسمى للدولة من الاكتتابات هو مشاركة ومنفعة أغلب المواطنين فيها من دون عوائق، خصوصا تلك التي لا ذنب لهم فيها.
يذكر أن اكتتاب شركة بورصة الكويت شهد نسبة إقبال بـ 5.7 في المئة فقط من المواطنين، في حين شهدت "شمال الزور" اكتتاب 8.5 في المئة من المواطنين، وهاتان النسبتان تعبّران عن تدنّ واضح في الإقبال على الشركتين، رغم الآفاق المستقبلية الجديدة لأعمالهما التشغيلية.
الطرح عند التأسيس
ومع الأخذ بعين الاعتبار أن سياسات الشركة وخياراتها التمويلية والاستثمارية هي حق لمجلس إدارتها وملّاكها - في العادة الدولة والمستثمر من القطاع الخاص - في المفاضلة بين البدائل الأنسب للمساهمين، فإنه من الأفضل لتجاوز العقدة الشرعية التي يمكن أن تتكرر في أي طرح جديد لشركة عامة مساهمة أن يتزامن اكتتاب المواطنين مع تأسيس الشركة قبل أن تحدد خياراتها التمويلية، خصوصا أن جميع الشركات المؤهلة للاكتتاب ذات أنشطة خدمية وتشغيلية، وليست في قطاعات أخرى كالمصارف أو الاستثمار أو التأمين، التي تتطلب نصا أن تحدد إن كانت شرعية أو تقليدية.كما أن الاكتتاب عند التأسيس يعطي فرصة للمواطنين، الذين يمتلكون في العادة 50 في المئة من رأس المال، فرص التمثيل في مجلس الإدارة أو التأثير في الجمعية العمومية، للمحافظة على مطابقتها للجوانب الشرعية قبل أن تمارس الشركة أنشطتها، فتصعب أو حتى تستحيل عملية أسلمتها لاحقا، ناهيك بأن حق المساهمين لا يضيع إن وزعت الشركة أرباحا نقدية أو عينية قبل طرحها للاكتتاب.تأخر الإدراج غير مبرّر
وفي الحقيقة، فإن تحديد موعد اكتتاب المساهمين عند التأسيس يتسق مع الوضع الحالي الخاص بتأخر إدراج الأسهم في البورصة غير المبرر، فشركة بورصة الكويت أعلنت أن إدراج الأسهم متوقع في يونيو من العام المقبل، في حين لم تعلن "شمال الزور" موعد إدراج الأسهم، وهنا يبدو مجال المقارنة مع شركة عملاقة بحجم "أرامكو" السعودية التي أنهت يوم الخميس الماضي إجراءات الاكتتاب في طرحها الأوّلي وأدرجت أسهمها أمس في سوق الأسهم السعودية.ومعروف أن حجم اكتتابي البورصة وشمال الزور مجتمعين لا يصل حتى الى ربع في المئة من حجم اكتتاب "أرامكو"، وعليه فإنه لا فائدة من سداد المواطنين حصتهم المسددة أصلا من الدولة إن كان الإدراج غير محدد زمنيا بالسرعة الكافية، فالأفضل هنا إما تحديد موعد سريع للإدراج بعد الاكتتاب أو دفع المواطنين حصتهم مع بداية تأسيس الشركة لا بعد قيامها بعدّة سنوات.عدالة التوزيع
ولعل ما حدث في تخصيص الأسهم للمكتتبين في شركتي البورصة وشمال الزور يستحق الوقوف عنده، فهيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص خصصت أسهم شركة شمال الزور بصورة عادلة أعطت من خلالها الأولوية في توزيع الأسهم لمصلحة صغار المكتتبين بكامل طلباتهم حتى 10 آلاف سهم، لتخصص للحد الأعلى طلباتهم بالنسبة المئوية عند 64 في المئة، في حين خصصت هيئة أسواق المال الأسهم بالنسبة المئوية، أي أنها ساوت بين المكتتب بـ 100 دينار والمكتتب بـ100 ألف، وهذه مساواة خالية من العدالة، بل تصل إلى حد الظلم، لأن الغرض الأساسي من الاكتتابات هو تحقيق أقصى منفعة لصغار المكتتبين.أما ما حدث في تخصيص أسهم البورصة، فهو ينافي حتى الغرض من وجود هيئة أسواق المال التي من مسؤوليتها حماية مصالح المساهمين بصورة عادلة، والقيام بدور يمثّل مَن ليس لهم وسيلة في التمثيل بالشركات.إخفاقات جسيمة
وقد شابت عمليتي الاكتتاب إخفاقات جسيمة، مثل تأخّر طرح أسهم البورصة الى ما بعد توزيع 5 في المئة منحة مجانية لمساهميها عن عام 2018، وبالتالي دفع المكتتبون نقدا ما كان يستحق لهم مجانا لو كانت هيئة الأسواق أسرع في طرح الاكتتاب للمواطنين قبل توزيع الأرباح، الى جانب حرمان هيئة الأسواق للقصّر من الاكتتاب بالحد الأعلى المحدد لهم إذا اكتتب ولي الأمر لنفسه، ناهيك بحرمان الشركتين (البورصة وشمال الزور) الزوجةَ من الاكتتاب بأبنائها حال امتنع الزوج عن الاكتتاب لأي سبب كان.وتمتد شوائب الاكتتابين إلى تأخير إعادة الأموال الفائضة للمكتتبين دون مبرر، وتأخير فتح باب دمج الأسهم بعد تخصيصها، وصولا الى فشل برنامج (ipo) المخصص للاكتتاب في استيعاب مكتتبي الأيام الأخيرة، مما ساهم في حرمان كثير منهم من ممارسة حقهم في شراء أسهم الشركتين.دعم المقترحات غير السويّة
وفي الحقيقة، فإن هذا الاختلال في تخصيص الأسهم يقلل من جاذبية الاكتتابات العامة، ويدعم المقترحات غير السوية الخاصة بإسقاط القروض عن المواطنين أو العبث بأنظمة التأمينات الاجتماعية، فضلا عن أنه يقلل من ثقة المواطن محدود أو متوسط الدخل بالدولة في أنها وكيل للدفاع عن مصالحه لمصلحة الفئات الأكثر ثراء، مع أن تاريخ الكويت الاقتصادي يحكي قصصا متتالية عن نجاح الطروحات الأوّلية في تأسيس الشركات بقطاعات الاتصالات والبنوك والخدمات، في الوقت الذي يتحدث الخطاب الرسمي عن مشاريع لاكتتابات عامة تصل قيمتها الاسمية الى مليار دينار، يمكن أن تتضاعف قيمتها لمصلحة المواطنين، وبالتالي فإن تخريبها أو ظلم المستحقين فيها أمر يفتح الباب للتساؤل عن المستفيد من هكذا سلوك؟!إخفاقات حدثت في عمليتَي الاكتتاب
• تخصيص الأسهم بشكل غير عادل في شركة البورصة • تأخر طرح أسهم الشركتين للاكتتاب مما أدخلهما في شبهة المخالفة الشرعية• تضارب وزارات الدولة في تعاملها مع الشركة ما بين الدعوة للاكتتاب وتحريمه• عدم تحديد موعد قريب للإدراج في البورصة رغم جاهزية الشركتين وصدور بياناتهما المالية لأكثر من سنة • دفع مكتتبي البورصة قيمة أسهم المنحة المجانية عن عام 2018 • حرمان القُصّر من الاكتتاب بالحد الأعلى • استبعاد الزوجة من الاكتتاب بأسماء أبنائها القُصر في حال امتناع الزوج عن المشاركة • تأخير إعادة الأموال الفائضة للمكتتبين لاسيما في البورصة • عدم تحديد موعد لفتح باب دمج الأسهم بعد تخصيصها• فشل برنامج «ipo» المخصص للاكتتاب في استيعاب مكتتبي الأيام الأخيرة من الطرح