كاتيا الطويل: الرواية مزيج بين الواقع والخيال
صدر لها أخيراً «السماء تهرب كل يوم»
ترى الكاتبة اللبنانية كاتيا الطويل أن الرواية مزيج بين الواقع والخيال، مشيرة إلى أن الكاتب يستنبط من واقعه أحداثًا وشخصيّات لنصّه، كما يستعين بقراءاته وثقافته ليُثري أسلوبه ولغته وتقنيّته الروائيّة.
وتوضح الطويل أن من أبرز مواصفات الكاتب الناجح قدرته على الاختباء خلف شخصيّاته من دون أن يظهر طيفه أو شخصه عبرها. الجريدة التقت كاتيا الطويل للحديث عن روايتها "السماء تهرب كل يوم" وقضايا أدبية أخرى، وفيما يلي التفاصيل:
وتوضح الطويل أن من أبرز مواصفات الكاتب الناجح قدرته على الاختباء خلف شخصيّاته من دون أن يظهر طيفه أو شخصه عبرها. الجريدة التقت كاتيا الطويل للحديث عن روايتها "السماء تهرب كل يوم" وقضايا أدبية أخرى، وفيما يلي التفاصيل:
• كيف كانت علاقتك بفنّ الرواية قبل الشروع بكتابة نصّك الروائيّ الأوّل؟- بدأت قراءة الرواية وأنا في العاشرة أو الحادية عشرة من عمري، وكانت سلسلة هاري بوتر أولى الروايات التي قرأتها وعشقتها والتي بفضلها تعلّقَتْ نفسي بفنّ الرواية واعتدتُ قراءة هذه السلسلة في لحظات حزني وغضبي ونزقي، فباتت صديقتي وملجأي وبئر أسراري، ثمّ رويدا رويدا، أخذتُ أقرأ كلّ ما تقع عليه يداي من أدب عربيّ وأدب أجنبيّ وعشقتُ الرواية الروسيّة والرواية الإيطاليّة وملتُ في بداياتي عموماً إلى الروايات الكلاسيكيّة، إنّما أظنّ أنّني صرتُ الآن في مرحلة أقدّر فيها الأعمال التجريبيّة وأستمتع بها. يعشق الإنسان منذ طفولته القصص والحكايات لأنّها تطير به نحو عالم من العجائب والغرائب، عالم السحر والجمال حيث السعادة ممكنة، والرواية بالنسبة إليّ هي هذا السحر، الجناحان اللذان أهرب بهما من الواقع ومشاكله فكلّ رواية أقرأها هي عالم جديد ومغامرة غير متوقّعة أتفاعل معها وأنسى بها رتابة حياتي وروتينها فالرواية بالنسبة إليّ هي شبكة الأمان التي أستلقي بين حبالها في أكثر لحظات وحدتي، وهي الملاذ الذي يشعرني بأنّ كلّ شيء حولي سيكون على ما يُرام.
الواقع والخيال
• هل تأثرت في تجربتك الأولى بأعمال معينة أو صادفت حدثاً شعرت بأنَّه لا يمكنُ التعبير عنه إلا في الشكل الروائي؟- طبعًا، فالرواية برأيي مزيج بين الواقع والخيال؛ يستنبط الكاتب من واقعه أحداثًا وشخصيّات لنصّه، كما يستعين بقراءاته وثقافته ليُثري أسلوبه ولغته وتقنيّته الروائيّة، وهذان العنصران أساسيّان لا يكتمل أيّ نصّ روائيّ من دونهما، وأرى في مجريات حياتي وتنوّع قراءاتي مصدر إلهامٍ أساسيًّا لكتابتي أستعين به بشكل مباشر أو مبطّن بحسب حاجات النصّ، وفي الفترة التي سبقت كتابة روايتي كنتُ متأثّرة بأسلوب الروائيّ اليابانيّ موراكامي، وأظنّ أنّني أردتُ كتابة روايتي بأسلوب الأحجية التي يكتمل فضاؤها الروائيّ مع التقدّم في السرد بسبب روايته "كافكا على الشاطئ" التي تقوم بنيتها على هذا الأساس، واخترتُ كتابة الرواية لأنّ الفنّ الروائي بطبيعته قادر على امتصاص مختلف الأنماط الكتابيّة، ولهذا أيضًا نجد أنّه اليوم من أكثر الأنواع الأدبيّة رواجًا.الكاتب الناجح
• يرى بعض النقاد أنَّ الرواية الأولى عبارة عن استعادة للتجربة الذاتيّة وسمّي هذا النوع برواية التكوين، إلى أي مدى يمتثلُ عملك الأول لهذا التوصيف؟- من المتعارف عليه أنّ الكاتب الناجح هو الكاتب الذي يستطيع الاختباء خلف شخصيّاته من دون أن يظهر طيفه أو شخصه عبرها، وأتمنّى أن أكون قد نجحتُ في القيام بهذا الأمر في روايتي، فأنا عموماً شخص يكره أن يستعرض مشاعره ومشاكله أمام المحيطين به، وخاصّة عندما تكون مشاعر حزن أو خيبة، وينطبق هذا الأمر على نصوصي.الرواية فنّ
• هل تعتقدين أنَّ السر وراء تصاعد الإصدارات الروائية يكمن في انفتاح المجتمعات وما توفره الرواية من المجال لتناول المفاهيم الفكرية في إطار أوسع؟- الرواية فنّ هذا العصر بامتياز، فبفضل قدرتها على استيعاب الأفكار والإيديولوجيات والقضايا وشؤون المجتمعات وطباع الشخصيّات على اختلافها وتنوّعها تمكّنت من فرض نفسها الفنّ الأقوى والذي يتمّ الإنتاج فيه أكثر من سواه، إذ يتميّز الفنّ الروائيّ بقدرته على نقل الواقع والخيال والفانتازيا والديستوبيا والماضي والحاضر والمستقبل من دون عناء، وهو جاذب للكتّاب وللقرّاء على حدٍّ سواء، حتّى أنّنا نرى شعراء وصحافيّين توجّهوا أخيراً إلى كتابة الرواية نظرًا لرحابة الفضاء الروائيّ واتّساع آفاقه أمام الاحتمالات كلّها.تجربة مباشرة
• تقام ورشات خاصة بكتابة الرواية، برأيك هل أضافت المبادرات على هذا الصعيد إلى أفق تطور فن الرواية؟ وماذا عن تجربتك في هذا المجال؟- لا أملك تجربة مباشرة في هذا المجال، فقد نشرتُ روايتي الأولى "السماء تهرب كلّ يوم"، من دون أن أشارك في أيّة ورشة بخاصّة، وتخصّصت باللغة العربيّة وآدابها فلم أجد الحاجة إلى ذلك. لكنّ مسألة ورش العمل مهمّة جدًّا برأيي، فهي تساعد على صقل مهارات الكتّاب الشباب على أيدي كبار الأدباء المكرّسين؛ وقد كتبتُ مقالات نقد في عدد من الروايات التي نشرت في إطار ورشة كتابة، منها ما كان جيّدًا متقن النسج ومنها ما كان أقلّ جودة، وهو أمر طبيعيّ ومتوقّع.أطروحة دكتوراه
• هل تعتقدين أن الحراك النقدي مواكب لما يسمى بالتضخم الروائي، وماذا يخسر النص الإبداعي في غياب النقد؟- إنّني الآن في طور إعداد أطروحة دكتوراه في النقد الأدبيّ وفي نقد الرواية العربيّة المعاصرة على وجه التحديد، وأراني أجد صعوبة في إيجاد عدد كافٍ من المؤلّفات العلميّة الموضوعيّة المفيدة الموضوعة بالعربيّة، فالنصوص النقديّة العربيّة التي يمكنني أن أستند إليها لأثبت النظريّات الروائيّة قليلة العدد، وهذا دليل واضح على النقص في النقد العربيّ في عالمنا اليوم، وأنا أعتمد في أطروحتي على أبحاث نقّاد عالميّين من فرنسيّين إلى إنكليز وألمان.حركة الترجمة
• كيف انعكست ترجمة أعمال الروائيين المعاصرين بغزارة على وعي القراء، وهل أصبحوا أكثر إدراكاً لخصوصيّات العمل الروائي؟- إنّ ازدهار حركة الترجمة هو من أفضل ما يحصل في عالمنا الأدبيّ والثقافيّ اليوم فالترجمة نحو العربيّة من جهة أولى، تساعد على الانفتاح على أفكار الآخر المختلف بمشاكله وقضاياه، كما أنّ أساليبه في الكتابة ستحفّز الكاتب العربيّ على الإبداع وستحفّز القارئ على النقد والمقارنة وتكوين رأي متماسك ومنهجي أمّا ترجمة الأعمال العربيّة إلى لغات أجنبيّة من ناحية أخرى، فهو أمر مفيد أيضاً هو الآخر فهو يتيح للقارئ الأجنبيّ أن يكتشف حقيقة الهويّة العربيّة الجميلة والمثقّفة بعيداً عن الكليشيهات التي تتداولها وسائل الإعلام. وأنا أثق بالمثقّف العربيّ وأثق بأنّ حركة الترجمة هي حليفته والناطق باسمه والنور لإبداعه.
الكاتب الناجح هو من يستطيع الاختباء خلف شخصيّاته من دون أن يظهر طيفه