«هاديس»... جرأة في الطرح وتميز بالأداء
فرقة المسرح الكويتي تدشن العروض المتنافسة على جوائز الدورة الـ 20 من مهرجان الكويت
قدمت فرقة المسرح الكويتي أول العروض الرسمية المتنافسة على جوائز مهرجان الكويت المسرحي في دورته الـ20.
في منطقة تتشح بالسواد، وتلفها الغيوم، حيث لا دلالة على زمان أو مكان يقف مجموعة من البشر، أشكالهم متشابهة، أزياؤهم متطابقة، يسيرون في حركة عشوائية حول شجرة عجفاء تنزف تراباً، من هنا تبدأ حكاية "هاديس" لفرقة المسرح الكويتي، وهي أول العروض الرسمية المتنافسة على جوائز مهرجان الكويت المسرحي بدورته الـ20.مسرحية "هاديس" من تأليف وإخراج أحمد العوضي، وبطولة سماح، وعلي الحسيني، ولولوة الملا، وبدر الشعيبي، وغادة، حمد بوناشي، ويوسف بوناشي ممثلا مساعدا ومخرجا، وعلي قاسم مساعد مخرج، ومحمد الزنكوي تأليف الموسيقى والمكساج، وعبدالله الناصر تصميم الإضاءة، والمكياج لعبدالعزيزالجريد، والديكور لفيصل العبيد، والإشراف العام للفنان أحمد السلمان.وفي "هاديس" تخوض فرقة المسرح الكويتي، صاحبة الرصيد الأكبر من الفوز بجائزة أفضل عمل متكامل بواقع 5 مرات طوال السنوات السابقة، مغامرة جديدة، عندما تضع ثقتها كما اعتادت دائما في مجموعة مميزة من الشباب بقيادة المخرج والمؤلف أحمد العوضي، صاحب التجربة الثرية والأعمال المثيرة للجدل.
العوضي هذا العام قدم فكرة مختلفة تتسم بجرأة الطرح، حيث انطلق من الأسطورة الإغريقية لـ"هاديس" إله العالم السفلي التي تذهب إليه الأرواح البشرية بعد الموت، لاستعراض خطايا النفس البشرية من خلال 7 مشاهد مميزة في بنائها الدرامي ونهايتها المأساوية، التي كانت نتيجة منطقية لما اقترفته أيدي أبطالها.
أسطورة
واختار العوضي من أسطورة "هاديس" القالب الذي دارت داخله الأحداث في منطقة محايدة مخصصة لأرواح الأشخاص، الذين لا تنتظرهم عقوبة أو ثواب عند موتهم ليسرد حكايات أبطاله، لنتابع رحلتهم في الحياة، وماذا قدموا ليصلوا إلى هذا المكان... قصة رجل خان زوجته وفرط فيها، وزوجة خانت زوجها، وشاب يعاني لأنه ابن خطيئة. عاش منبوذا في الحياة، وأم جرفها تيار العشق المحرم، وتركت ابنها فريسة للوحدة والألم عقب رحيل أبيه إلى أن لحق به، وأخرى كبلت ابنتها بقيود العادات والتقاليد وأبقتها أسيرة معتقدات خاطئة، فسلبتها أحلامها وأنوثتها إلى أن غادرت الحياة، جميعها نماذج لقصص مأساوية قادت أصحابها إلى مصير محتوم.ورغم طول مدة العرض، والحوارات الفلسفية التي جاءت على لسان أبطاله، فإن جملا عدة كانت تحمل مفاتيح الإجابة عن التساؤلات التي أطلت برأسها بين كل مشهد وآخر، "يوم لا ينفع الندم" عبارة تكررت كثيراً، وكانت ترمز إلى حسرة أبطال حكايات العوضي على ما آلت إليه مصائرهم، عرض يحفز المشاهد على التفكير أن يبقي الذهن متقداً. عمل يستوعب كل التأويلات والتفسيرات.رؤية المخرج
ولكن كيف ترجم العوضي كمخرج رؤيته البصرية على المسرح؟ أزعم أن السينوغرافيا كانت علامة فارقة في هذا العمل من ديكور اقتصر على تلك الشجرة العجفاء التي تتوسط المسرح، لتصبح محورا للأحداث تذرف الرمال من أغصانها اليابسة، ربما حزنا على ما تشهده من تراجيديا ويخرج من لحدها بعض الممثلين، مروراً بالإضاءة وتشكيلاتها المختلفة ودلالتها، ووصولا إلى المؤثرات والموسيقى التصويرية والأزياء والمكياج، وكان هناك تناغم، اذ شكلا وحدة واحدة، ليبدو جميع أبطال العمل قريبين من بعضهم البعض في الشبه، وهو ما أراد المخرج أن يصل إليه في تلك المرحلة الجميع حيث لا فروقات طبقية. في رأيي كان المشهد الافتتاحي لوحة جمالية تكاملت فيها جميع عناصر العرض المسرحي من إضاءة وموسيقى ومؤثرات وأداء مميز للفنانين، وتحركاتهم الواعية على المسرح، ومن ثم تنقلنا بين مجموعة من المشاهد كانت بمنزلة مباراة في الأداء بين أبطال المسرحية الـ4، حيث اشتغل المخرج بتوظيف الممثلين على شكل ثنائيات وثلاثيات، وتابعنا الأداء المميز لعلي الحسيني، وسماح في مشهد الأم وابنها، وأيضا بدر الشعيبي في مواجهته مع أبيه وأمه اللذين تبرآ منه، وكذلك لولوة الملا بشخصية الفتاة التي تعاني اضطهاد والدتها ومجتمعها، وأخيرا مشهد الختام، وهذا الحوار السريالي بين الحسيني، الذي أطل بدور الشيطان، وسماح تلك المرأة التي استسلمت لوسوسته.ورغم خطورة أن يتصدى كاتب نص لإخراجه، غير أن العوضي استطاع أن يصل بعرضه إلى بر الأمان، موظفا أدواته كما يجب أن تكون، لاسيما الديكور للمبدع فيصل العبيد، وتألق أبطال حكاياته الذين يحسب لهم هذا الأداء بذلك الإيقاع، والتنقل السلسل من حالة إلى أخرى.
المخرج وظّف أدواته كما يجب أن تكون مستنداً إلى إبداع العبيد في الديكور وتألق الممثلين