الثالثة ثابته...
اقتربنا من الشهر والكويت بلا حكومة، فإذا كانت الاختيارات ستفاجئنا وتبهرنا بجودتها ومواكبتها لتطورات العصر والتغييرات الحاصلة من حولنا فلا بأس من الانتظار قليلاً، أما إذا كان سيتم اتباع نفس الآلية والمعايير لاختيار السادة الوزراء فالأفضل لنا العودة لأرشيف حكومات الشيخ سعد، رحمه الله، واختيار من تبقى منهم على قيد الحياة لاستلام منصب وزاري؛ فالأصلي أحسن من التقليد بالتأكيد، وما لم ينفعنا بالثمانينات لن يضرنا بالألفية الثالثة، واستخدام المجرب المعروف دائماً أفضل من تجربة الجديد المجهول المبني على ذات الأساسات العميقة.تقع اليوم على كاهل رئيس الوزراء المكلف مسؤولية كبيرة، فهو قد جاء بعد رئيسين للوزراء خرجا من رئاسة الحكومة بعد منافسات وصراعات عائلية شرسة، استنزفت معها الكثير من فرص ورصيد الرؤساء السابقين، السياسي والاجتماعي، ومعه الكثير من رصيد أسرة الحكم التاريخي، وإن تدثرت الأولى بالغطاء الشعبي لكن جوهرها الفاعل أصبح معروفاً.
هذه دول، مهما ارتدت قشرة الحضارة والتقدم والدستور، تظل الروح جاهلية حتى إشعار آخر، ومادام الحكم تتولاه أسر حاكمة فستستمر الهيبة ضرورية بالنسبة لهم لمزاولة أعمالهم، وإن كان ولابد مما لابد منه فعليهم أو على القائم بأعمالهم، وهو رئيس الوزراء المكلف في حالتنا، ملاحظة أن مقومات وشروط الهيبة التي كانت تؤثر بالنفوس وتعقد الألسن لم تعد بذات القيمة والتأثير في هذا الزمن مع انتشار التعليم والانفتاح على العالم، ناهيك عما تم استنزافه منها في العهدين السابقين، فما كان يبعث على الاحترام والتقدير عند جيل أبي وجدي ما عاد ينفع في جيل ابني وحفيدي، فالوقار وقلة الكلام والأناقة والمظاهر الخداعة والبشوت المتبوعة بالمباخر قد تضفي على صاحبها الهيبة في الدواوين والمجالس الخاصة، وتغطي على مساوئ الشخص الأخرى، كما أنه اليوم ومع دورات التنمية الذاتية المنتشرة كالفساد في البلدية حتى الهيبة بمفهومها الاجتماعي القديم صارت مكشوفة، وكل من يستطيع تعلمها وممارستها فوق أدمغتنا، أما الهيبة النافعة في هذا العصر للحكم فهي هيبة العمل والإنجازات لا غير، وهنا ربما تقع المسؤولية التاريخية على سمو الرئيس المكلف، مسؤولية الإدارة ورسم السياسات وتنفيذها، ومسؤولية تعويض التناقص برصيد الأسرة السياسي، مما أدى للتشكيك بجدارتها في تولي رئاسة الوزراء والمطالبة في وقت سابق برئيس وزراء شعبي، ومن ثم فحسن الإدارة هو ما يبعث على الاحترام والتقدير، ومحاربة الفساد بجدية هي ما يزيد من قوة الحكم ومكانته، وإرساء العدالة القانونية والاجتماعية هو ما يرفع من القدر ولا يترك مجالاً للتطاول، وتحسين جودة حياة الناس هو ما يزرع المحبة والولاء في النفوس، وجميع ما سبق هو ما يصنع الهيبة بمفهومها الحديث ويعوض الخسائر المتراكمة.