«كوميديا بلا ألوان» صراع المبدع ضد عزلته
الحليل أجاد في توظيف عناصر العرض المسرحي من تمثيل وسينوغرافيا
ناقشت مسرحية «كوميديا بلا ألوان»، لفرقة المسرح العربي، قضية عزلة المبدع في مجتمعه، ضمن فعاليات مهرجان الكويت المسرحي.
ماذا تفعل في هذه الساعة المتأخرة من الحياة؟ سؤال طرحته الفنانة سارة رشاد على الفنان نادر الحساوي في مسرحية "كوميديا بلا ألوان".كان مفتاح الإجابة عن سؤال لاح في الأفق مع الدقائق الأولى من العرض، وهو: ماذا يريد أن يقول الثنائي؛ الكاتب سامي بلال، والمخرج أحمد الحليل من هذا العمل؟ سؤال لخَّص حالة بطل المسرحية (دكتور فلان)، وكان الدليل الذي تعرفنا معه إلى معاناة هذا الرجل من واقع يعيشه، وهو نموذج للكثيرين ممن أفنوا حياتهم في خدمة مهنة ما، من ثم وجدوا أنفسهم أسرى العزلة يطاردون وهم العودة إلى العمل أو الحياة مجددا."كوميديا بلا ألوان"، لفرقة المسرح العربي، من تأليف سامي بلال، وإخراج أحمد الحليل، وتمثيل: نادر الحساوي، سارة رشاد، أمير مطر، سليمان المرزوق، عبدالله الزيد، أسامة حمد ناصر، وحسن عبدال، وتصميم الديكور م. أحمد البناي، وتنفيذ الديكور لنواف الربيعان ومحمد البناي، والأزياء د. خلود الرشيدي، وتصميم الإضاءة يوسف الحشاش، وتأليف موسيقي ومؤثرات صوتية عبدالله العماني ويعقوب الكندري.
العزلة
ذهب الكاتب سامي بلال، من خلال نصه (كوميديا بلا ألوان)، الثري بالقضايا والمضامين، والذي حصد المركز الأول بجائزة الشارقة للتأليف المسرحي، إلى قضية مهمة، وهي: عزلة الإنسان أو المثقف أو المبدع أو المسرحي في مجتمعه، بعدما يغادر موقعه أو منصبه العملي، عبر بطل عمله (الدكتور فلان)، الذي تقدَّم به العمر، فأصبح أسير منزله يلازم مقعده، في انتظار اتصال هاتفي يعيده إلى الحياة مجددا.وعبر مجموعة من المواقف الساخرة يستعرض بلال مأساة "الدكتور فلان"، سواء في المنزل مع زوجته، التي تستيقظ وتسأله ماذا يفعل في هذه الساعة المتأخرة من الحياة بنبرة تهكم، أو عندما يقصد رئيس تحرير كان في يوم ما صديقه. ويطرح سامي قضية أخرى تتمثل في استغلال ذوي السُّلطة والنفوذ للمثقف، أو عندما يلتقي "الدكتور فلان" زملاءه في العمل وهو على مقعده الذي يلازمه، فيما يجلس أحد زملائه في موقعه الذي تبوأه يوما ما. ونتابع هذا الحوار، الذي يكشف لنا جملة من القضايا يسقطها سامي على واقعنا، مثل: الاستغلال السيئ للسُّلطة، والاعتداء على الحُريات، وحال المسرح، وما إلى ذلك من موضوعات.حرفية وذكاء
بصرياً، تعامل المخرج أحمد الحليل مع النص بحرفية وذكاء، فهو صاحب التجربة المهمة في المسرح الأكاديمي، وقد وضع جل خبرته في هذا العمل، واستطاع الاشتغال على جميع عناصره كمنظومة واحدة، بداية من التمثيل. وكان اختياره في محله للفنان نادر الحساوي، الذي سجل عودة موفقة، بتقديم شخصية "فلان"، مرورا بالفنانة متعددة المواهب سارة رشاد، التي تنقلت بين أكثر من كاركتر بسلاسة، من شخصية الزوجة إلى المعجبة ثم السكرتيرة بذكاء وبحس ساخر، وأخيرا أمير مطر بدور الخادم، وشكَّل مع الحساوي ثنائيا مميزا طوال العرض. وجاءت الديكورات معبِّرة ومبهرة، وخدمت فكرة العمل، حيث شاهدنا التخطيط المميَّز لمنزل "الدكتور فلان"، وكيف وظف المخرج المقعد الذي لازمه، ليرمز إلى تعلق هذا الرجل بمنصبه الذي زال، وتلك القطع البسيطة التي تغيَّرت بين كل مشهد وآخر. وأيضا عبَّرت الإضاءة، بتشكيلاتها المختلفة، عن الحالة النفسية لكل مشهد، وأخيرا الموسيقى والمؤثرات الصوتية.ويمكن القول إن الحليل، كمخرج، أجاد في توظيف اثنين من أهم عناصره، هما: التمثيل والسينوغرافيا.ويبقى أن المشهد الأخير من العمل، والذي كان معبِّراً عن النهاية الحتمية لبطل المسرحية (فلان)، استطاع المخرج تقديمه بصورة مميزة، حيث انفض الجميع من حول "فلان"، وبقي وحيدا، ليكبله خادمه بسلك الهاتف، الذي كان يعتقد "فلان" أن فيه خلاصه من وحدته.
نص سامي بلال الحاصل على جائزة الشارقة ثري بالقضايا والمضامين