* ما المحددات التي تنطلق منها للإبداع الروائي؟ - إن الإبداع لا ينبع عن رغبة يمكننا أن نتحكّم فيها، أو نعدل عنها، بل يصدر عن حاجة تعبّر عن نفسها في اللحظة، وبالكيفية التي تريد، ولا نستطيع أن نضع لها قالبا، أو نرسم لها حدود، لذلك من الصّعب أن نتحدّث عن محدّدات للإبداع، إلا ما يخصّ الجانب العقلانيّ للكتابة، فعادة ما تحضرني فكرة الرّواية على شكل ومضة شاردة، وعليّ أن أقيّدها قبل تفلت من عقالي، لكنّي لا أنساق خلف تلك الومضة الأولى، بل أبدأ بالبحث، وجمع المعلومات، فالكتابة الرّوائية ليست تعبيرا إنشائيّا يمكن أن نكتبه كما تكتب الخواطر قدر ما هي عمليّة بحث عميق في المصادر والمراجع، ثمّ تأتي مرحلة رسم المخطط الأوليّ للرواية، واختيار الشّخصيات التي ستشكل محور العمليّة السّرديّة، وفي الختام تأتي عمليّة الكتابة التي تعتمد على خلق عالم مواز لعالمنا بكلّ ما فيه من أحلام وآمال وأوهام وخيالات وأساطير تؤسس واقعنا المعيش.
توظيف الأحداث
* روايتك" الألسنة الزرقاء" عابرة للأنواع الأدبية المتعارف عليها، هل استفدت من تداخل الأجناس؟- نعم في رواية "الألسنة الزّرقاء" توظيف للأجناس الأدبيّة مثل قصيدة النّثر، والقصّة القصيرة جدا، وحتّى المقال الصحافيّ، وهذا لا يعني أنّها عابرة لأنواع الأدبيّة، فهذا من طبيعة الرواية الحديثة التي تتعدّد فيها الأصوات، والتقنيات السّرديّة.*هل لذلك علاقة بموضوعها الذي يتناول الأحداث الدامية، أو فيما عرف بالعشرية السّوداء في الجزائر؟- بالتأكيد لشكل الرّواية علاقة بمضمونها، فلأحداث الدامية التي عرفتها الجزائر، أو ما يصطلح عليه بالعشريّة السّوداء أثر كبير في كثير من كتاباتنا نحن الجزائريين، وستظلّ لسنوات قادمة مادة خصبة لنقل تجربة الإنسان الجزائري مع ظاهرة الإرهاب، ومن ثمّة لم يكن بطل "الألسنة الزّرقاء" سوى ذلك الإنسان الذي عرف الإرهاب، واستطاع أن ينتصر على خوفه.فن الرواية
*حازت الرواية جائزة كتارا، ثم فارت روايتك "فنجان قهوة وقطعة كرواسون" بالجائزة أخيرا... كيف ترى الفوز فى الحالتين؟- الحالتان مختلفتان، فالرواية الأولى كتبتها وأنا خالي الذهن من أيّة إكراهات فنّية أو فكريّة سوى تلك التي يفرضها فن الرواية، لكنّ فوز روايتي الأولى سنة 2016 بجائزة كتارا شكّل لي مشكلة كبيرة، إذ فرض عليّ تحدّيا، وصار بمنزلة السّقف الذي يجب ألا أنزل دونه، فإمّا أن أكتب رواية بمستوى روايتي الأولى أو أن أتجاوز ذلك المستوى، والتحدّي لا يكون في المضمون فحسب، بل يشمل التّقنيات السّرديّة والأبعاد الجماليّة للرّواية، وأنا أعتبر نفسي محظوظا، وأحمد الله على ذلك، إذ نالت روايتي الثّانية الحظوة ذاتها، ولاقت النّجاح ذاته، فمن الصّعب أن ينال الرّوائيّ الجائزة نفسها مرّتين.إضاءة نقديّة
* برأيك إلى أي مدى تضيف الجوائز للمبدع؟- الجوائز الأدبيّة تضيف الكثير إلى المبدع، فنيل الجائزة يعتبر إضاءة نقديّة على الرّوائيّ الفائز بها، وإشادة وإشهار لنصّ ما كان له أن ينال تلك الحظوة وسط مئات النّصوص التي تصدر كلّ سنة، وتمرّ كأن لم تكن في زحمة المنشور والمبسوط على رفوف المكتبات، وإن كان لجائزة كتارا من فضل، فهو في منحها الأسماء الجديدة فرصة التّعبير عن نفسها خارج منظومة النّشر ودورها، تلك المنظومة التي تسيطر عليها الأسماء المكرّسة، ففي جائزة كتارا لا تتنافس الأسماء، وإنّما النّصوص ممّا يعطي الجائزة مصداقيّة لم تتمتّع بها أية جائزة أخرى في وطننا العربيّ كلّه.* حدثنا عن روايتك "فنجان قهوة وقطعة كرواسون". - لا يليق بي الحديث الآن عن رواية لم تصدر بعد، بل سأترك النّص يتحدّث عن نفسه حين يصدر، وهو بكامل بهائهه وغموضه.موت الرواية
* في ظل التطورات التكنولوجية والأحداث السريعة، هل مازلنا نعيش عصر الرواية؟- أمام الرواية عمر مديد، فعلى العكس ممّن يبشّرون بموت الرواية، أرى أنّها فن العصر بامتياز، فهي الفن الوحيد القادر على استيعاب هذا العالم المعقّد وتجاوزه، وعلى تجديد آلياته والإفادة من التطوّرات التكنولوجيّة، وتطويع الفنون الأخرى.المشهد الجزائري
* كيف ترى المواكبة النقدية لإبداعك؟- في الجزائر، لا توجد أيّ مواكبة لإبداعي، حتّى أن فوزي بالجائزة لم يشكّل سوى خبر عابر على صفحات الجرائد، ونشرات القنوات، على العكس من الجرائد والقنوات العربية التي احتفت بفوزي.* ما رؤيتك للمشهد الثقافي الجزائري راهنا؟- لا وجود لمشهد ثقافي في الجزائر، سوى موعد يتيم هو المعرض الدّولي للكتاب، موعد ينتظره القرّاء والكتاب، وتنتظره دور النشر، فتحمل إليه إصداراتها، ثمّ يغيب الجميع، فلا ندوات لقراءة تلك الإصدارات، ولا نشريات تهتمّ بها.عدّة أفكار
* ما الجديد فى مشروعاتك الأدبية؟- أنا الآن في مرحلة البحث والقراءة، وفي البال عدّة أفكار، لم تتبلور بعد، لكنّ التّحدّي صار أكبر.مسيرة أدبية لابن المدرسة الجزائرية
يقول سالمي ناصر "أنا ابن المدرسة الجزائريّة بكل حمولتها الفكريّة والتاريخيّة، والتي اعتمدت منذ نشأتها على عاملين متنافرين، هما اللغتان العربيّة والفرنسيّة، وبينهما نشأت آخذ من هذه وتلك، ثمّ أخذت صفّ العربيّة كاختصاص للدّراسة في الجامعة والعمل ثمّ التّأليف، وأجدني اليوم مجنّدا للدّفاع عنها، وأزعم أن الكتابة باللغة العربيّة واجب وطنيّ مقدّس، مقابل تيّار لا يزال يعتبر الفرنسيّة غنيمة حرب يجب الإفادة منها، في حين أنّها تقارب أن تكون لغة إقليميّة، لا تنفع أن تطلب بها وجبة طعام في طائرة أو فندق.