مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية بعد أربعة أسابيع في شهر يناير، يُجمِع المراقبون على ارتفاع احتمال إعادة انتخاب الرئيسة تساي إنغ ون.

تشمل المنافسة الانتخابية تساي، المرشحة الحالية عن "الحزب الديمقراطي التقدمي" الحاكم، وهان كو يو من "الحزب القومي الصيني" المعارض، وجيمس سونغ من "حزب الشعب أولاً"، وهو حزب صغير.

Ad

في مثل هذا الوقت من السنة الماضية، واجهت إدارة تساي هزيمة كبرى في الانتخابات المحلية وبلغت نِسَب تأييد تساي أدنى المستويات، فبدت فرص إعادة انتخابها ضئيلة. بدأ الوضع يتغير تدريجاً في شهر يناير من هذه السنة ثم حصل تحوّل جذري في يونيو ويوليو.

ألقى الزعيم الصيني شي جين بينغ خطاباً مهماً عن تايوان في يناير، حيث كشف عن تصميمه على توحيد تايوان تحت راية "بلد واحد بنظامَين"، فسارعت تساي إلى الرد قائلة: "شعب تايوان لن يقبل مطلقاً بشعار "بلد واحد بنظامَين". رحّب الشباب التايواني بِرَدّ تساي القوي، لكن لم تتأثر معظم فئات الشعب.

لطالما بدا مفهوم "بلد واحد بنظامَين" مستبعداً وغير واقعي في تايوان، لكن حين اندلعت الاحتجاجات الضخمة في هونغ كونغ خلال شهر يونيو، أدرك سكان تايوان أن المسألة أكثر تعقيداً مما كانوا يظنون، وأن تايوان غداً قد تصبح نسخة من هونغ كونغ اليوم. لجأ الناس الذين تأثروا وخافوا من أحداث هونغ كونغ إلى تساي، فارتفعت نِسَب تأييدها بشكلٍ ملحوظ.

كان خطاب شي جين بينغ عن تايوان واحتجاجات هونغ كونغ جزءاً من العوامل الخارجية التي ساهمت في زيادة شعبية تساي، أما العوامل الداخلية، فتشمل المصاعب والمعضلات المحيطة بـ"الحزب القومي الصيني".

حقق هان كو يو فوزاً مفاجئاً في انتخابات بلدية "كاوشيونغ" في السنة الماضية، وكسب دعماً قوياً جداً في استطلاعات الرأي خلال النصف الأول من هذه السنة، لكن سرعان ما تراجعت نِسَب تأييده لدرجة أن تسبقه تساي منذ شهر أغسطس.

كان صعود هان وسقوطه ظاهرة مثيرة للاهتمام، إذ جاء هان في الأصل من خارج أوساط "الحزب القومي الصيني" وتم تجاهله خلال عهد ما يينغ جيو، لكن أصبح مناصرو "الحزب القومي الصيني" المؤيدون للقومية الصينية أكثر وعياً لواقع المجتمع التايواني وهويته التايوانية المتوسعة في آخر عشرين سنة، هذا الوضع رسّخ في داخلهم شعوراً عميقاً بالتهميش والخداع ونفاد الصبر.

في نهاية المطاف، نفد صبر مناصري "الحزب القومي الصيني" من السلطة التي كانت بقيادة ما يينغ جيو، فقد أثبت جيو وقادة آخرون عجزهم عن مقاومة توسّع الهوية التايوانية، ثم اعتبروا هان كو يو القائد الذي يبحثون عنه، فهو مناضل ومتحمس ومستعد على ما يبدو للدفاع عن قيم "جمهورية الصين" في تايوان. نجح هان في جذب مناصري الحزب وعُرِف بقربه من الناخبين العاديين، على عكس النخبة التقليدية في "الحزب القومي الصيني".

كانت خسارة السلطة في عام 2016 كفيلة بخلق أزمة جدّية في "الحزب القومي الصيني". يواجه الحزب مشاكل في قاعدة مناصريه ووضعه المادي وطاقم الموظفين فيه، لذا أصبحت سياسته موضع شك. يشتق هذا الحزب في الأصل من القومية الصينية ويتعارض مع الهوية التايوانية التي طغت على البلاد منذ عهد لي تنغ هوي. للتصدي لوصول "الحزب الديمقراطي التقدمي" إلى السلطة، قرر "الحزب القومي الصيني" التعاون مع "الحزب الشيوعي الصيني" في عام 2005.

توسّع نفوذ "الحزب الشيوعي الصيني" تدريجاً إلى أن تفوق على "الحزب القومي الصيني"، وبدأ هذا الأخير بحلول عام 2015 يتكل على النفوذ الصيني لخوض الانتخابات التايوانية.

كانت البنية السياسية والاقتصادية لتايوان بعد الحرب ترتكز على "تأييد الولايات المتحدة ومعاداة الشيوعية"، ونشأت هذه البنية واستمرت تحت حكم شيانغ كاي شيك وتشيانغ تشينغ كو، وأصبحت راسخة في عقول التايوانيين.

وحين تخلى "الحزب القومي الصيني" عن ذلك الخط السياسي، عمد "الحزب الديمقراطي التقدمي" وتساي إلى تسلم هذا الإرث.

لا يزال "الحزب القومي الصيني" يعتبر نفسه "حزباً موالياً للولايات المتحدة"، لكنه لم يستطع أن يخفي ولاءه للصين حين انحاز إلى بكين عند توتر العلاقات الأميركية الصينية. يوضح هذا الوضع ما جعل تساي إنغ ون، بعد تعافيها من هزيمة السنة الماضية، تصبح الأوفر حظاً في الحملة الانتخابية لعام 2020.

في الوقت نفسه، بدأ وضع "الحزب الديمقراطي التقدمي" يتحسّن تدريجاً في حملة الانتخابات التشريعية التي ستجري في يوم الانتخابات الرئاسية، ومن المتوقع أن يحافظ على الأغلبية في المجلس التشريعي، مع أنه قد يخسر بعض المقاعد.

سيكون فوز تساي انتكاسة واضحة لسياسة بكين في تايوان، لكنه لا يعني تجاوز أزمة مضيق تايوان. بل إن بكين ستردّ عبر تصعيد الضغوط، على أمل تحقيق بعض المكاسب قبل الاحتفال المئوي بتأسيس "الحزب الشيوعي الصيني" في 2021. يجب أن تدرك البلدان المجاورة هذا الواقع، بما في ذلك اليابان، وتستعد للاضطرابات المرتقبة في أنحاء المضيق.

* يوشيوكي أوغاساوارا

* «دبلومات»