"نكون أو لا نكون" تلك العبارة الشكسبيرية العابرة للأزمنة التي ما إن تلقى على الأسماع أو تقرأ حتى نستدعي على الفور شخصية هاملت، ولكن كيف وظفها الكاتب بدر محارب والمخرج مشاري المجيبل في عرض فرقة مسرح الخليج العربي، الذي حمل الاسم نفسه وعرض مساء أمس الأول على مسرح الدسمة ضمن فعاليات مهرجان الكويت المسرحي؟ سؤال فرض نفسه، لاسيما أن شخصية هاملت قدمت كثيرا بأشكال متعددة، ولكنها المرة الأولى التي يتحدث فيها العامية الكويتية.

مسرحية " نكون أو لا نكون" من تأليف بدر محارب، ومن إخراج مشاري المجيبل، وبطولة حسن إبراهيم ومشاري المجيبل وحسين المهنا وكفاح الرجيب وعثمان الصفي وهيا السعيد وشاهين الشاهين وضيف الشرف علي العلي، ومخرج منفذ ياسر الحداد، ومساعد مخرج عبدالله البصيري، ومساعد مخرج ثان عبدالرحمن الهزيم، وإضاءة د. فهد المذن، وديكور محمد الربيعان، وأزياء حصه العباد، ومكياج عبدالعزيز الجريب، وموسيقى ومؤثرات صوتية عبدالله البلوشي.

Ad

التناص

على مدار ساعة تقريبا استمتعنا بما طرحه الكاتب بدر محارب من أفكار عندما مزج بين هاملت شكسبير وشخصية فهد من خلال اللعب على فكرة التناص بين الحكاية الأصلية وتلك التي صاغ أحداثها، فتابعنا كيف تنقل محارب بين الجمل الحوارية باللغة العربية الفصحى وبين تلك التي جاءت على لسان أبطال العمل بالعامية الكويتية تنقلا مدهشا من حالة إلى أخرى خلال ثوان معدودة وفي المشهد الواحد، لتتقاطع الأحداث في مواقف عدة، وتختلف في مواقف أخرى، ويحافظ على روح الحكاية الأصلية في بعض المشاهد ويتمرد عليها وينحاز إلى فكرته ليؤكد رسالته في مشاهد أخرى، وكان دقيقا في الانتقال من حالة إلى أخرى وجريئا في استحضار شخصية هاملت وإسقاطها على الواقع الكويتي عبر صراع فهد مع عمه شاهين الذي قتل والده وسعى لإزاحته، ليرمز محارب إلى صراع المال والسلطة مع الطموح، ليرمي أيضا إلى اهداف أخرى من خلال شخصية "شاهين" المعقدة نفسيا الذي يغتال شقيقه ويتزوج امرأته يحارب ابنه، وينوي القتل بالتزامن مع نيته الصلاة. ويحمل العمل بين طياته العديد من الأفكار وقضايا عدة صاغها محارب بذكاء كاتب مخضرم هاجسه التجديد.

فرجة

أما من الناحية البصرية، فكان المخرج مشاري المجيبل موفقا في تقديم فرجة مستعينا بأدواته من سينوغرافيا خدمت روح النص، بدءا من الموسيقى والمؤثرات التي حملت الهوية الكويتية، ليؤكد المخرج رسالة المؤلف مرورا بالديكور الذي كان على هيئة قطع صغيرة أفسحت المجال أمام الممثلين للتحرك بحرية على المسرح، وصولا إلى الإضاءة ودلالاتها المختلفة، وقد رسم من خلالها فهد المذن لوحة جمالية، تلك المنظومة المنضبطة تكللت بأداء تمثيلي راق ومتقن من المجيبل بدور فهد وهاملت، مرورا بالفنان حسن إبراهيم بشخصية التاجر شاهين، وكان موفقا في أداء الدور أيضا الفنان علي العلي الذي يمكن القول إنه قدم السهل الممتنع في دور أبو عواد، ويحسب لكل الممثلين قدرتهم على الانتقال من حالة إلى أخرى داخل المشهد الواحد.

أزعم أن محارب والمجيبل ورغم فارق العمل والتجربة بينهما فإنهما قدما عملا متناغما تجلت فيه قدرة المبدع الكويتي على التجديد، ولعل من أهم المشاهد التي تكاملت فيها عناصر العرض المسرحية مجتمعة صلاة شاهين قبل أن يقرر التخلص من فهد، وأيضا مشهد مقتل أبي عواد الذي حمل دلالات عدة، فهو الحافظ للتراث والناقل للحكايات الشعبية.