لبنان: «الغطاء المسيحي» يؤجل «الاستشارات»
«القوات» باغت الحريري برفض تسميته و«التيار» دعاه لتزكية «بديل»
في آخر لحظة، وخلافات لما كان متوقعاً أجّلت الاستشارات النيابية الملزمة في لبنان لتكليف رئيس جديد للحكومة للمرة الثانية منذ استقالة حكومة سعد الحريري، على وقع الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في 17 أكتوبر الماضي. وأعلنت رئاسة الجمهورية، أمس، أن الرئيس ميشال عون تجاوب مع تمنّي الحريري تأجيل الاستشارات النيابية لمزيد من التشاور في موضوع تشكيل الحكومة، حتى الخميس. ويأتي قرار التأجيل بعد ليلة ثانية من المواجهات العنيفة في بيروت، أجبرت الجيش على التدخل للسيطرة على الموقف.
ويبدو أن المواجهات في وسط بيروت، دفعت حزب "القوات اللبنانية" الى حسم موقفه والإعلان فجر امس عدم تسمية الحريري رئيساً للحكومة المقبلة. وعلى الرغم من أن رئيس "القوات" سمير جعجع لم يعط للوزير السابق غطاس خوري الذي زار معراب، موفدا من الحريري السبت الفائت، جوابا واضحا حول التكليف، إلا أن موقف "القوات" المفاجئ دفع الحريري الى طلب تأجيل الاستشارات، لأن تكليفه سيكون مثقلاً بـ "ضعف ميثاقي"، حيث إن عدد النواب المسيحيين الذين يرجّح أن يحصل الحريري على أصواتهم سيكون في حدود 16 صوتاً من أصل 64 نائباً مسيحياً في المجلس النيابي، أي بنسبة لا تزيد على 25% فقط من أصوات المسيحيين، علما بأن الكتلة المسيحية الوحيدة التي ستمنحه أصواتها هي كتلة "التكتّل الوطني" (المردة) التي تضمّ 4 نواب مسيحيين، في حين أن النواب المسيحيين الـ12 الآخرين الذين سيسمّونه موزّعين على الكتل النيابية وفق التالي: تيار "المستقبل"(3 نواب)، "التنمية والتحرير" (نائبان)، الحزب "التقدمي الاشتراكي" (نائبان)، "الكتلة الوسطية المستقلة" (نائبان)، والنواب المستقلين: إيلي الفرزلي، ميشال المرّ وميشال ضاهر.وعزت مصادر متابعة الإرجاء الى الأسباب التالية: "أولا، وجود نوع من الإجماع لدى القيادات السياسية في البلاد، وخصوصا المعنيين بالملف الحكومي بوجوب الانتظار لما بعد زيارة الموفد الأميركي الى المنطقة ولبنان، السفير دايفيد هيل، لمعرفة ما سيحمله من طروحات على مستوى ما يجري محليا وإقليميا، لتبيان الخيط الأبيض من الأسود ومسار الأمور في الشرق الأوسط والدول المجاورة، وتاليا البناء على الشيء مقتضاه حكوميا وماليا واقتصاديا. ثانيا، فقدان الاستشارات للميثاقية نتيجة عدم مشاركة الغالبية المسيحية في تسمية الحريري أو سواه ممن قد ترشّحه الكتل النيابية لتكليفه تشكيل الحكومة.ثالثا، إفساح المجال أمام الحريري لإجراء المزيد من الاتصالات مع القوى السياسية والكتل النيابية، علّه يتمكن من كسر طوق الميثاقية غير المتوافرة بتأمين تسميته من قبل عدد معقول من النواب المسيحيين، وذلك بعد إقناع رئيس الجمهورية، وتاليا التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، أقله في ترك الخيار لنوابهم بتسمية من يشاؤون في الاستشارات".
الحريري
وقال الحريري في بيان، أمس، إنه "اتضح أن كتلة التيار الوطني الحر كانت بصدد إيداع أصواتها فخامة رئيس الجمهورية ليتصرف بها كما يشاء. وهذه مناسبة للتنبيه من تكرار الخرق الدستوري الذي سبق أن واجهه رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في عهد رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، وللتأكيد أن الرئيس الحريري لا يمكن أن يغطي مثل هذه المخالفة الدستورية الجسيمة أيا كانت وجهة استعمالها، في تسمية أي رئيس مكلف". وأضاف: "وفي إطار الاتصالات نفسها، تبلغ الرئيس الحريري فجرا بقرار حزب القوات اللبنانية الامتناع عن التسمية أو المشاركة في تسمية أحد في الاستشارات، الأمر الذي كان من شأنه أن ينتج تسمية من دون مشاركة أي كتلة مسيحية وازنة فيها، خلافا لحرص الرئيس الحريري الدائم على مقتضيات الوفاق الوطني".«المستقبل»
وفي وقت لاحق، قال تيار "المستقبل" في بيان، أمس، إنه "كان من المثير للريبة في هذه المرحلة، وقبيل ساعات من بدء الاستشارات النيابية الملزمة، ما صدر عن بعض الكتل النيابية بالامتناع عن تسمية أي شخصية لتكليفها تأليف الحكومة، وما يحيط الاستشارات من غموض والتباسات ومحاولات التفاف، تسعى إلى محاصرة موقع رئاسة الحكومة والخروج على القواعد الدستورية في تسمية رؤساء الحكومات".وأضاف: "تيار المستقبل ينأى بنفسه عن هذه السياسات، وهو في المقابل، بكل وضوح، لا ينتظر تكليفاً من التيار الوطني ولا من القوات للرئيس الحريري، ولا يقبل ان يتحول موقع رئاسة الحكومة الى طابة تتقاذفها بعض التيارات والأحزاب". وتابع: "موقع رئاسة الحكومة اكبر من كل هذه الهرطقات، ولن يكون رهينة عند أحد مهما علا كعبه".وختم: "زمن البطولات انتهى، زمن العضلات السياسية انتهى. هذا الزمن لمن يتحمل المسؤولية ولمن يفتح أذنيه لصرخات الشباب والصبايا لا للمتاجرة بآلام اللبنانيين وأوجاعهم وركوب موجات القلق والتذمر في الشارع".الى ذلك، جدّد "التيار الوطني الحر" طرحه بأن يقدم الحريري "من موقعه الميثاقي على العمل سريعا لاختيار اسم يتوافق على جدارته وموثوقيّته لتولي رئاسة الحكومة".كوبيتش
في موازاة ذلك، لفت المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، يان كوبيتش، إلى أنّ "تأجيل الاستشارات إمّا علامة على أنّه بعد أحداث الأيام الأخيرة، بدأ السياسيون بإدراك أنّهم لا يستطيعون إهمال صوت الناس، أو أنّه محاولة أُخرى لشراء الوقت للعمل كالمعتاد".وشدد كوبيتش على أنّ "العنف والاشتباكات الّتي وقعت في نهاية الأسبوع، أظهرت مرة أخرى أن تأجيل الحلّ السياسي للأزمة الحاليّة، يخلق أرضيّة خصبة للاستفزازات والتلاعب السياسي"، مؤكدا أنّه "من الضروري إجراء تحقيق في الحوادث وأيضًا في استخدام قوات الأمن للقوة المفرطة، وكذلك لمنع الانزلاق نحو سلوك أكثر عدوانية".