في أجواء من التوتر الشديد في شرق المتوسط، نشرت تركيا طائرة مسيرة مسلحة، أمس، في الشطر الشمالي من قبرص، تزامناً مع ورود أنباء عن اعتزامها إنشاء قاعدة عسكرية في ليبيا وإرسال تجهيزات ومستلزمات عسكرية تمهيداً لإرسال قوات إليها. وحطت الطائرة، وهي من نوع "بيرقدار تي بي2" في مطار غجيت قلعة في منطقة فاماغوستا بشرق الجزيرة المقسومة، وهي أول مسيرة تصل المطار منذ موافقة السلطات القبرصية التركية على نشر هذا النوع في شمال الجزيرة التي تحتل قوات أنقرة شطرها الشمالي منذ 1974.
وفي خطوة قد تزيد التوتر مع الاتحاد الأوروبي، خصص مجلس وزراء شمال قبرص مطار جتشيتكالى بالجزيرة المقسمة منذ 1974 اعتباراً من يوم أمس كقاعدة لطائرات تركية بعضها مسلح ترافق سفن التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط.ويأتي هذا التحرك في خضم التوتر الذي أثاره توقيع انقرة اتفاقاً في نهاية نوفمبر مع حكومة الوفاق الليبية بزعامة فايز السراج، لتحديد مناطق الصلاحية البحرية بينهما، ما سمح لأنقرة بالمطالبة بحقوق في مناطق واسعة بشرق البحر المتوسط.ودانت قبرص واليونان ومصر الاتفاق واعتبرته لاغياً، كما اعترض عليه مجلس النواب الليبي الذي يتخذر طبرق مقراً ويعتبر مواليا للمشير خليفة حفتر الذي يقود "الجيش الوطني" الليبي ويسيطر على مناطق واسعة شرق ليبيا.
قاعدة وتجهيزات
في هذه الأثناء، وغداة بدء أنقرة إجراءات تفعيل مذكرة للتعاون الأمني وقعتها مع السراج، بالتزامن مع توقيع الاتفاق البحري، قالت وسائل اعلام تركية إن أنقرة تعتزم إنشاء قاعدة عسكرية في العاصمة الليبية، وبدأت بتجهيزاتها لإرسال قوات ومستلزمات عسكرية إليها، بناء على طلب من المتوقع أن يقدمه السراج بحلول 20 فبراير المقبل.ووفق قناة وصحيفة "خبر ترك"، فإن تركيا تخطط لإنشاء قاعدة عسكرية في طرابلس على غرار قطر، مشيرة إلى أنها أكملت دراسة الجدوى المتعلقة بإضافة أبعاد جديدة على العلاقات مع حلفائها ومنافسيها.ونقلت صحيفة "يني شفق" عن مصادر عسكرية أن تركيا بدأت بالتجهيزات اللازمة لتقديم الدعم اللازم لحكومة السراج لمواجهة هجمات قوات حفتر على طرابلس، موضحة أنها طلبت من القوات المسلحة تجهيز السفن والطائرات الحربية استعداداً لنقل القوات التركية إلى ليبيا.وأكدت المصادر أن السفن المتجهة لطرابلس لنقل الطائرات المسيرة والدبابات والقوات الخاصة ووحدات الكوماندوز التابعة لقيادة مجموعة الهجوم تحت الماء باتت جاهزة، وطائرات الشحن والمروحيات في حالة تيقظ للإقلاع نحو مطار مصراتة، الخاضع حتى الساعة لسيطرة حكومة الوفاق.وأمس الأول، استقبل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان السراج للمرة الثانية منذ توقيع مذكرتي التفاهم الأمني والبحري، في لقاء جرى بعيداً عن الإعلام ولم يكن مدرجا على جدول أعماله المعلن في قصر دولمة بهجة على الضفة الأوروبية لإسطنبول.وخلال اللقاء، وصف إردوغان حفتر بأنه "شخصية غير شرعية ويمتلك كياناً غير شرعي". وتابع: "الاتفاقيات المبرمة مع ليبيا تمت وفق أطر القانون الدولي".وشدد إردوغان على أنه "سيتخذ الخطوات اللازمة إذا تلقت تركيا دعوة لإرسال جنود إلى ليبيا". وزاد بالقول: "تركيا وليبيا لديهما حقوق في منطقة شرق المتوسط".إلى ذلك، وبينما لم يحدد بعد موعد لمؤتمر برلين حول ليبيا، أعلن الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أكدا في اتصال هاتفي أهمية منع التصعيد في ليبيا وضرورة الحوار بين الأطراف المتحاربة. في المقابل، أعرب رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، أمس الأول، عن رفضه التدخل الخارجي، مؤكداً أنه سيتم تشكيل حكومة جديدة من "الأقاليم الثلاثة" وصياغة دستور جديد وإجراء انتخابات عامة.ودعا صالح، في كلمة تلفزيونية مسجلة، سكان طرابلس إلى الوقوف لجانب "الجيش الوطني"، كما دعا الدول الشقيقة لدعمه والبرلمان المنتخب.وقبل الكلمة، جدّد صالح في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مطالبته بعدم الاعتراف بمذكرة التفاهم بين حكومة السراج وتركيا، معتبراً أن ولايتها انتهت منذ فترة طويلة، ولم يعد بإمكانها إبرام معاهدات وتحميل ليبيا التزامات دولية.طرابلس رهينة
ومع وصول مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة إلى القاهرة لبحث آخر التطورات السياسية والإنسانية والأمنية والاقتصادية في ليبيا، ودعم جهود وقف القتال وإحياء العملية السياسية، أعرب المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق عن استغرابه الشديد من تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مؤكداً أنه "يتفهم حق الدولة المصرية في تحقيق أمنها القومي، ولكنها لا تقبل بأي تهديد يمس السيادة الليبية".وكان السيسي وجه اعنف انتقاد لحكومة السراج، معتبراً أنها "محتجزة كرهينة للميليشيات". وقال السيسي، في منتدى الشباب في شرم الشيخ، أمس الأول، إن "أمن مصر يتأثر بشكل مباشر بالوضع في ليبيا"، مضيفاً: "لو تركنا دول الساحل والصحراء في إفريقيا بمفردها أمام الإرهاب سيحدث نزوح جماعي وتدمير للتنمية في إفريقيا وإنشاء ما يسمى بدولة الإرهاب؟".واعتبرت حكومة الوفاق أن هذا التصريح "تلويح بقدرة الرئيس المصري على التدخل المباشر في ليبيا".نفير واغتيال
وعلى الأرض، أعلن المجلسان البلدي والعسكري بمصراتة "حالة النفير في المدينة، ووضع كل ثقل المدينة وإمكانياتها تحت تصرف قوات الوفاق، من أجل حسم المعركة مع قوات حفتر"، وقررا "تشكيل غرفة طوارئ من ممثلين عنهما وعن المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية ومجالس الأعيان ومنظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال والإعلاميين تعمل بطاقتها القصوى لتسخير كل الإمكانيات والقدرات للحرب الدائرة بأطراف العاصمة".ومع تأكيد الناطق باسم عملية "بركان الغضب" التابعة للعاصمة مصطفى المجعي تعرُّض مقر الكلية الجوية بمصراتة لقصف جوي، أعلنت غرفة "عمليات الكرامة" التابعة لقوات حفتر إصابة وزير الداخلية في حكومة طرابلس فتحي باشاغا، جراء محاولة اغتيال تعرض لها في المدينة ذاتها.