عهد المؤتمرات وعهد المفرقعات!
تشرفت بحضور منتدى الدوحة 2019 في نسخته الأخيرة، والمتواصلة على مدى عقدين من الزمن، حيث حقق هذا الملتقى السنوي لدولة قطر الشقيقة منصة عالمية إضافية وأداة من أدوات الدبلوماسية الخليجية، وتجمع العديد من النخب السياسية والشخصيات القيادية والمؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني من مختلف دول العالم، وبكل اختلافاتها بل تناقضاتها، حول طاولة الحوار لطرح الكثير من الرؤى والمواقف السياسية الرسمية والاستراتيجيات الجماعية والحلول الأكاديمية لمختلف قضايا العصر.ومع كل الشكر والتقدير للشقيقة قطر على فتح المجال للعديد من الشخصيات الكويتية للمشاركة في مثل هذه الفعالية المتميزة وتوفير فرصة الالتقاء بكبار المسؤولين من رؤساء دول العالم ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية والمنظمات العالمية المتنوعة، نغبط القائمين على تفعيل هذه القناة الدبلوماسية بشقيها الرسمي والشعبي، ونتمنى لهم دوام التوفيق والإبداع في مختلف الصعد والمستويات.وتذكرنا مثل هذه المنتديات بالعصر الذهبي للكويت وعراقة الدبلوماسية فيها جنباً إلى جنب مع التألق في مختلف مجالات الفن والأدب والرياضة والتنمية التي اختفت من القاموس الكويتي، ولم يعد هناك حتى مجرد التفكير في إعادة روح الحياة فيها، الأمر الذي يعكس مدى تدهور أفق الإدارة الحكومية وضياع بوصلتها، وقد يتذمر البعض من ترديد عبارات الفساد كأحد الأسباب الرئيسة وراء هذه الإخفاقات.
فالكويت التي طالما عرفت كعاصمة المؤتمرات وكسبت ثقة دول العالم باختلاف أنظمتها السياسية وأيديولوجياتها الحاكمة، تعجز عن إقامة مثل هذه المنتديات رغم بعدها الإقليمي والعالمي ورغم تجربتها العريقة وخبرتها الرائدة في النشاط الدبلوماسي، مما يجعلنا نتساءل بجدية عن المنظور المستقبلي لموقعنا السياسي والمحافظة على مكانتنا والتفاف الأصدقاء من حولنا.منتدى الدوحة على سبيل المثال، ورغم روعة تنظيمه وغزارة المعلومات المتدفقة بين جلساته الحوارية وتسابق صناع القرار على طرح سياسات دولهم أمام الملأ، لم يحتج إلى معجزة لاستضافته، وقد سبقت قطر بعض الدول العربية في إقامة هذه المنصة، وقد لحقتها دول أخرى في أنشطة مشابهة أو مكملة، ومن أمثلة ذلك القمة الحكومية السنوية في دبي، ومنتدى البحرين، ومنتدى دافوس البحر الميت الاقتصادي في الأردن، وغيرها من الفعاليات الدبلوماسية.وقد سبق أن قدم قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت رؤية متكاملة لاستضافة مؤتمر سنوي باسم منتدى الكويت قبل عدة سنوات، وتحديداً بعد سلسلة مؤتمرات القمة التي احتضنتها دولة الكويت خلال النصف الأول من العقد الحالي، ولكن مع الأسف الشديد لم يتم حتى النظر في الاقتراح.إن ما يحزن أكثر أن نفقات إقامة مثل هذه المنتديات وبما تحقق من عائد دبلوماسي ورصيد سياسي للكويت وتفعيل دور الشباب فيها بالتنظيم والمتابعة والاستفادة من الخبرات العالمية أقل مما يتم صرفه على الألعاب النارية باسم العيد الوطني التي تزيد على 5 ملايين دينار!