يحتفل العالم في كل عام بيوم 30 سبتمبر، بوصفه "اليوم العالمي للترجمة"، وقد انطلقت فكرة هذه المناسبة عام 1991، من قِبل "الاتحاد الدولي للمترجمين" لأهمية تعاون وتعاضد المترجمين حول العالم، وتعزيز وتطوير مهنة الترجمة. وأذكر بهذه المناسبة، أنني قدّمت في نهاية التسعينيات، قصة قصيرة لزميلي في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، المرحوم عبدالسلام رضوان، لترجمتها إلى اللغة الإنكليزية، وكم صدمني رده المباشر: "آسف... لا أجيد الترجمة."
استغربت إجابته الهادئة، وهو الرجل الذي ترجم أكثر من كتاب/ مرجع في سلسلة "عالم المعرفة" التي تصدر عن المجلس الوطني.رحتُ أنظر إليه، فأضاف بالنبرة ذاتها: "أجيد الترجمة من اللغة الإنكليزية إلى العربية، وليس العكس".ولأني كنتُ متشوقاً لمعرفة المزيد، فقد أخبرني بأن الترجمة من الإنكليزية إلى العربية، أسهل بكثير بالنسبة إليه، فهو ابن العربية، ويدرك كيف يخاطب أهلها، بوعيهم وعقلية زمانهم، وفي الآن نفسه، هو يجيد الإنكليزية بما يمكّنه من الترجمة عنها.الترجمة اليوم، وكما قال لي أحد الناشرين اللبنانيين: "أصبحت مهنة منْ لا مهنة له". ولذا صار صعباً جداً التمييز بين كتاب مترجم وآخر يحمل العنوان نفسه ولكن لمترجم ثانٍ.فدور النشر العربية، تضخّ ليل نهار أعمالاً أدبية، وتحديداً في جنس الرواية والسيرة الذاتية، والكتابة عن طقوس كتّاب العالم في عالم كتاباتهم. وليس أمام القارئ العربي إلا أن يختار الشراء لمترجم يعرفه ويثق به، أو يجازف بالشراء لمترجم لا يعرفه، أو يمتنع عن الشراء.وأنا شخصياً أشتري لمترجمين أعرفهم أو أمتنع عن الشراء. فتجربتي مريرة مع المترجمين الجدد، سواء كانوا من الشباب أو غيرهم، خصوصا أن بعض دور النشر لا تكلّف نفسها مشقة التدقيق خلف المترجم عبر مراجع معتمد، ومن ثم إدخال الكتاب إلى وحدة التصحيح لمراجعة الضروري والأساسي في الإملاء والصرف والنحو، وذلك قبل الدفع بالكتاب إلى القارئ.وقد أفرز انتعاش سوق الكتاب العربي، في العقدين الأخيرين، عبر تظاهرات معارض الكتب العربية، وعلى الأخص في منطقة دول الخليج العربي، مظاهر كثيرة من بينها: كثرة النشر، لكتّاب شباب مقابل مبلغ مالي، دون النظر إلى محتوى كتاباتهم، كما أفرز ظاهرة الجوائز العربية، التي ساهمت بدورها في إفراز ظاهرة القارئ، وعلى الخصوص القارئ الشاب.فجلّ المتسوقين في معارض الكتب هم من شريحة الشباب، وهذا بقدر ما يثلج الصدر ويسرّ الخاطر ويستحضر الأمل، فإنه يستدعي وقفة تأمل ودراسة لهذه الظاهرة، فقبل عِقد من الزمن، كان يُقال إن هؤلاء الشباب يشترون الكتب الدينية وكتب الدعوة، لكن هذا المظهر تراجع بنسبة كبيرة وملحوظة، لمصلحة الشباب الذين يلهثون وراء نشر وقراءة كتب الرواية والقصة والخاطرة وشيء من الشعر.جميل أن يكون هناك جيل من الشباب العامل في حقل الترجمة، لكن كيف ترى القارئ يميّز بين المترجم المتمكن والمترجم الضعيف؟ وهل هناك اشتراك أو هوية لأي مترجم عربي ضمن "الاتحاد الدولي للمترجمين"؟ وأين ترى دور الناشر العربي، دوره الثقافي الإنساني، في تقديم وجوه شابة تتعامل مع الترجمة بما تستحق من وقار وصدق والتزام؟ وهل تركُ الساحة مُشاع لكل مَن سوّلت له قناعته قدرته على الترجمة، أمر حسن؟وماذا عن إغراق الساحة الثقافية العربية بترجمات ضعيفة، من كل لغات العالم؟ وإلى مَن يلجأ القارئ العربي، أمام مطر الترجمات، وتواطؤ الناشر العربي مع المترجم؟ وهل لاتحاد الناشرين العرب، دور في التصدي لهذا الوضع وبما يظهر حرصاً مشروعاً تجاه القارئ العربي والعربية. أسئلة كثيرة نقدّمها لمن يهمه شأن الكتاب الأدبي، والترجمة الأدبية تحديداً.
توابل - ثقافات
لحظة الترجمة العربية!
18-12-2019