«صرخة» ضد الظلم والاستبداد في ختام «الكويت المسرحي»
خالد أمين وظف عناصره بذكاء في مغامرة جديدة تضيف إلى رصيده
اختتمت فرقة المسرح الشعبي العروض المتنافسة على جوائز مهرجان الكويت المسرحي في دورته الـ20 بعرض "صرخة".
يمتلك الفنان والمخرج خالد أمين جرأة التجريب في أي مغامرة مسرحية يخوضها، ولعل المتتبع لأعماله وتجاربه المختلفة في المهرجانات المسرحية يلمس ذلك ويدرك اهتمام أمين بعنصر التمثيل وحرصه عليه. وقاد أمين هذا العام كتيبة فرقة المسرح الشعبي بعرض "صرخة"، ليختتم فعاليات مهرجان الكويت المسرحي بدورته الـ20 على مسرح الدسمة بعمل مميز قدم خلاله فرجة عبر مجموعة من المشاهد كانت أقرب إلى لوحات تعبيرية مغرقة في الرمزية. مسرحية "صرخة" من إخراج خالد أمين وإعداد فلول الفيلكاوي عن مجموعة من نصوص الكاتب الإماراتي إسماعيل عبدالله، وتمثيل أحلام حسن وأحمد ايراج وعلي ششتري ورازي الشطي، ومساعد مخرج علي البلوشي، ومصمم الديكور د. نبيل الفيلكاوي، وتنفيذ الديكور ايمان فرج، ومصمم الاضاءة علي الفضلي، ومصممة الأزياء د. ابتسام الحمادي، وتأليف موسيقي ومؤثرات صوتية عبدالحميد الصقر، ومكياج دلال الردهان.
ويحمل العمل بين طياته العديد من الأفكار، ويناقش بجرأة صراع الاستبداد والحرية من خلال شخصية الديكتاتور التي جسدها الفنان أحمد إيراج والشعب أو الوطن متمثلا في شخصية أحلام حسن، واتخذ هذا الصراع طوال العمل أشكالا عدة، فالديكتاتور قد يكون حاكما أو أبا أو تاجرا أو أحد الوجهاء، وقد يُرمز إلى الشعب بالمرأة التي تغرس في ابنها قيم الحرية أو الشاب الذي يتمرد على النظرة الطبقية ويواجه الظلم ليظفر بقلب من يحب.
خطان متوازيان
اختارت الفيلكاوي أن تسير بالمسرحية في خطين متوازيين تنتقل بينهما بذكاء، الأول وهو العام يتمثل في صراع الديكتاتور والشعب، والثاني عبرت عنه بمجموعة من المشاهد غير المترابطة التي تحدث ابطالها باللهجة العامية في إسقاط واضح وصريح على واقعنا المعيش، وكانت تلك الثنائيات مكملة للخط الدرامي الأول، وتسير في السياق نفسه الذي يعزز فكرة الصراع بين الحرية والاستبداد على اختلاف صوره، ورغم أن أفكار الفيلكاوي بدت غير مترابطة وتحتاج إلى إعادة نظر فإن الرؤية الإخراجية المميزة لخالد كانت علامة فارقة في هذا المساء.وفعّل خالد أمين أدواته كمخرج وكسب رهان عنصر التمثيل الذي اشتغل عليه، فشاهدنا أحمد إيراج على خشبة المسرح الأكاديمي بعد غياب بكامل لياقته ينتقل بسلاسة بين شخصية الديكتاتور ودور السيد، كذلك أحلام حسن صاحبت الأداء السهل الممتنع وتحركاتها الواعية وانتقالها من حالة إلى أخرى بإحساس عال، وأيضا علي الششتري ورازي الشطي الذي كان ظهوره بسيطا ولكنه مؤثر، بينما لعب السينوغرافيا دورا هاما في خدمة الفكرة العامة للمسرحية، فكان الديكور على هيئة حائط ضخم من الجماجم توسطه سلم، وفي الخلفية إضاءة تتغير وفق حالة كل مشهد.التعبير الحركي
اختار المخرج أن يبدأ المسرحية بدخوله شخصيا مع مجموعة من التعبير الحركي من بين الجمهور في إشارة واضحة إلى أن هناك صلة وطيدة بين ما سيعرض على المسرح وبين المتلقي في الصالة، ومن ثم كان المشهد الافتتاحي الذي هو الأبرز، في رأيي، والأكثر جمالية من ناحية الصورة وتناغم عناصر العرض، فتابعنا كيف يقف الديكتاتور أعلى السلم بين الجماجم ليتباهى بقدراته قائلا: "سلاما على أمثالي على أسياد البشر"، ليهبط إلى المستوى الأفقي للمسرح ويبدأ الصراع بينه وبين أحلام من خلال مجموعة جمل ذات دلالات، ووفق المخرج أيضا في توظيف مجموعة التعبير الحركي التي التفت حول الديكتاتور منذ المشهد الأول إلى ان كان لهم دور في تكبيله في المشهد الختامي عندما سقط بينما ترتقي أحلام وهي صوت الشعب السلم، لتبشر بقدوم مولود جديد هو "الحرية".أزعم أن أمين استطاع صياغة كل مشهد من عمله بإتقان، ولو عرض كل منها على حدة لوصلت فكرته دون الحاجة إلى مشاهدة ما قبله أو انتظار ما بعده، وذلك بسبب الحوارات وما ترمز إليه من أفكار ولحرص المخرج على تكامل العناصر في كل مشهد، وتبقى "صرخة" تجربة تضاف إلى رصيد فرقة المسرح الشعبي، ولو سنحت الفرصة أمام فريق العمل لإعادته مجددا لظهر بصورة أفضل.