لليلة الثالثة على التوالي، تحوّل وسط بيروت إلى ساحة حرب، ليل الاثنين- الثلاثاء، إذ اندلعت مواجهات عنيفة بين قوات الأمن وشبان من الطائفة الشيعية قدموا من منطقة الخندق الغميق، احتجاجاً على انتشار فيديو لشاب سني يدعى سامر الصيداوي، وهو من طرابلس ومقيم في الخارج، يحتوي على إساءات دينية وشتائم بحق مرجعيات سياسية شيعية. وبينما عاد الهدوء إلى وسط بيروت، صباح أمس، بعد المواجهات التي استمرت طوال الليل، أظهرت الصور تحوّل المكان إلى ساحة حرب بكل ما للكلمة من معنى. وكان المهاجمون الذين حملوا رايات حسينية وأعلاما حزبية لحركة «أمل» حاولوا الوصول إلى خيم المتظاهرين في ساحة الشهداء، وتصادموا مع القوى الأمنية التي أطلقت القنابل المسيّلة للدموع لتفريقهم.
وأقدم المهاجمون على إحراق 3 سيارات، وعلى أعمال تخريب للاملاك العامة والخاصة. ومع تضاعف الوضع وجّه أمام مسجد الخندق الغميق الشيخ محمد كاظم عياد دعوات للشباب عبر مكبرات الصوت من مسجد الخندق، للخروج من الشارع من وسط بيروت، وعدم الانجرار إلى الفتنة. وشهدت المنطقة حالة كر وفر بين قوات الأمن والعناصر المهاجمة استمرت طوال ساعات الليل، قبل أن تتمكن قوات الأمن من السيطرة على الموقف وتأمين وسط العاصمة، بالتزامن مع انتشار كثيف لقوات الأمن في ساحتي رياض الصلح والشهداء وعلى جسر «الرينغ». ردود الفعل هذه لم تقتصر فقط على بيروت، إنما امتدت إلى مدينة صيدا ذات الأغلبية السنية والنبطية الشيعية، حيث تم تكسير خيم المتظاهرين في ساحات الاعتصام.
الاستشارات
ويأتي التصعيد قبل 48 ساعة من موعد الاستشارات النيابية الملزمة، حيث تكثفت الاتصالات السياسية أمس في أكثر من اتجاه، لإيجاد مخرج للازمة الحكومية الراهنة الممثلة بعقدتي التكليف والتأليف. وتتقدم هذا المجال عين التينة، وعلى رأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي استضاف، ظهر أمس، رئيس الحكومة المستقيلة والمرشح الأبرز لإعادة تسميته لترؤس أخرى جديدة الرئيس سعد الحريري إلى مائدة الغداء، من أجل استكمال المحادثات التي كانت جرت بينهما عبر الموفدين أو من خلال الاتصالات الهاتفية، وآخرها الاتصال الذي أجراه بري برئيس الجمهورية ميشال عون، لتأجيل الاستشارات النيابية من الاثنين إلى الخميس، نزولا عند رغبة الرئيس الحريري، وإفساحا في المجال أمامه لإجراء مزيد من الاتصالات والمشاورات التي تسهل إعادة التكليف. وقالت مصادر مقربة من عين التينة، إن «بري حاول مجددا إقناع الحريري التخفيف من شروطه إذا كان فعلا راغباً في العودة إلى السراي، أو على الأقل تسمية أحد من قبله لترؤس الحكومة والتنازل كما الجميع لمصلحة البلد الذي شارف على الانهيار التام سياسيا وماليا، وباتت عملية إنقاذه شبه مستحيلة في حال التشدد في المواقف والشروط». وأضافت أن «بري استطلع رأي الحريري في إمكان ترك الخيار له في تسمية مجمل الوزراء المستقلين والاختصاصيين الذين يفترض توزيرهم، مقابل موافقته على أن تضم الحكومة العتيدة 4 وزراء سياسيين يمثلون الكتل النيابية الكبيرة من الوجوه والأسماء غير المستفزة، وانه في حال الموافقة يعمل بري على تسويق الأمر مع الجهات المعنية، خصوصا رئاسة الجمهورية، لا سيما اذا تطلب ذلك دفع الاستشارات إلى الأمام، وإرجاءها أياما».وأكد بري والحريري في بيان لهما بعد لقائهما، أمس، «وجوب تحلي اللبنانيين بالوعي واليقظة وعدم الانجرار الى الفتنة التي يدأب البعض العمل جاهداً نحو جر البلاد للوقوع فيها». ودعا البيان الى «افساح المجال أمام القوى الأمنية والجيش لتنفيذ مهامهم في حفظ الأمن».الصيداوي يعتذر
واعتذر الشاب سامر الصيداوي عن الفيديو المسيء الذي انتشر له، وقال عبر فيديو جديد أمس: «هناك شخص يدعى عباس الشامي، قد تلاسنت معه وانزعج من الكلام المسيء الذي قلته عن نصرالله (الأمين العام لحزب الله) وبري (رئيس مجلس النواب)، وأنا كنت أشتم بعض الزعران الموجودين في الضاحية، ولم أقترب على الطائفة الشيعية، لكنه استفزني وشتمني وشتم ديني وهاجمني بشدة». وتابع: «شعرت بغضب عارم وأنا مريض، أتناول الأدوية وانفعلت كثيراً، ولم أستطع أن أسيطر على نفسي». ولفت إلى أنه «لم ينشر الفيديو بل أرسلته لعباس الذي انزعج مني». وأضاف: «أنا أعتذر من الطائفة الكريمة، وأعتذر من كل الطوائف، أنا لم أكن بوعيي عندما تكلمت كنت شربان وخارج سيطرتي».الجيش ينفي
وعشية وصول مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل إلى بيروت، ذكرت وسائل إعلام محلية، أمس، أن مروحية عسكرية دخلت الأجواء اللبنانية وحلقت فوق البلوك النفطي رقم 9 قبالة الناقورة. وأوضح الناطق الرسمي باسم «اليونيفيل» أندريا تيننتي، أمس، أن «المروحية التي هبطت في مركز الناقورة هي مروحية برازيلية تابعة للبحرية في القوة الدولية، وأنها أتت من إحدى سفن البحرية التابعة لها، بهدف القيام بأعمال صيانة غير روتينية»، مشيراً إلى أنه «بعد الانتهاء من صيانتها عادت إلى السفينة». وأضاف انه «تم إبلاغ الجيش اللبناني مسبقا بالأمر». كما نفى الجيش اللبناني في بيان، أمس، هذا الخبر، مؤكداً أن «هذه الطوافة تابعة للقوات البحرية البرازيلية، وأقلعت من على متن البارجة البرازيلية العاملة في قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، لتنفيذ أعمال صيانة في مقر اليونيفيل في الناقورة، ضمن برنامج طيران موافق عليه مسبقاً من الساعة 7:00 حتى الساعة 15:00». إلى ذلك، طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من قائد القوات الدولية في الجنوب الجنرال ستيفانو دل كول، خلال استقباله له قبل ظهر أمس في قصر بعبدا، التحقيق في أسباب خرق باخرة استكشاف للنفط يونانية تعمل لمصلحة الجيش الإسرائيلي المياه الإقليمية اللبنانية والبقاء فيها مدة 7 ساعات. وأكد أن «لبنان يرفض أي تعد على حقوقه المشروعة ضمن مياهه الإقليمية»، معتبرا أن الخروق الإسرائيلية البحرية للسيادة اللبنانية لا تقل خطورة عن الخروق البرية والجوية التي تواصل إسرائيل القيام بها.