كيف يمكن لسياسة تجميع الموارد أن تتغلب على التقزم؟
التقزم ناتج عن عدم الحصول على التغذية بالقدر الكافي أثناء الحمل وخلال السنتين الأوليين من حياة الطفل، وتؤثر الحالة، على الصعيد العالمي، في نحو 22% من الأطفال دون سن الخامسة، يعيش معظمهم في إفريقيا وآسيا.
في العديد من البلدان النامية تتعاون النساء بانتظام للمساهمة بأرباحهن في ميزانية مشتركة، ويمكن أن تساهم هذه المساهمات الصغيرة في دفع الرسوم المدرسية، أو بدء مشروع تجاري مشترك، أو شراء أفضل البذور المتاحة لموسم الزراعة القادم، وإن تجميع الموارد له تأثير على مستوى المجتمع.وبالطبع، هذه المساهمات الفردية صغيرة مقارنة بالتحديات الأكبر المتمثلة بالنهوض بالتغذية، وخلق فرص العمل، فما بالك بأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر للأمم المتحدة، إذ سيكلف تحقيق أهداف التنمية المستدامة تريليونات الدولارات، كما أن التعهدات المالية حتى الآن لا ترقى إلى المستوى المطلوب، لذلك يجب أن يصبح التضامن على مستوى المجتمع جزءا لا يتجزأ من حركة المواطنة العالمية للمساهمة في تقدم الإنسان.ولحسن الحظ، فإن النمو السريع للمنصات الرقمية، وأنظمة الأداء يمَكن من تكرار آلية التجميع على مستوى المجتمع، على نطاق عالمي لمساعدة المحتاجين، ومع أن تجميع الأموال من المجتمع ليس بالأمر الجديد، إلا أن منصات الأداء الكبيرة مثل We Chat (ويتشات)، وGo Find Me (غو فايند مي)، وM-Changa (إم شانغا)، رقمنت التضامن، فأصبح من السهل على المجتمعات في جميع أنحاء العالم التعاون في معالجة المشكلات والاستجابة للأزمات.
وكان هذا الإحساس بالانتماء إلى المجتمع واضحًا هذا العام في أعقاب الكوارث الواسعة النطاق، بما في ذلك إعصار إيداي في جنوب إفريقيا، والحريق الذي وقع في كاتدرائية نوتردام في باريس، مثلما كان بعد زلزال المحيط الهندي عام 2004، وتسونامي. ومع ذلك، فإن التقدم التكنولوجي في الـ15 عاما المنصرمة يعني أن الردود كانت مختلفة للغاية، إذ بعد كارثة تسونامي لم يتمكن الأفراد من الاستجابة مباشرة لمساعدة المجتمعات المتضررة في جنوب شرق آسيا وإفريقيا، واليوم يمكن للخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول ترجمة الرحمة إلى دولارات. ولكن ماذا عن المآسي الأقل وضوحا، مثل التقزم عند الأطفال؟ إنه من الصعب تحفيز الناس بشأن القضايا التي لا تتصدر عناوين الصحف العالمية، ومع ذلك فإن التقزم، أو سوء التغذية المزمن، مشكلة كبيرة تستدعي التعاون المجتمعي لمعالجته.إن التقزم ناتج عن قلة التغذية، أو عدم الحصول عليها بالقدر الكافي أثناء الحمل وخلال السنتين الأوليين من حياة الطفل، وعلى الصعيد العالمي، تؤثر الحالة في نحو 22 في المئة من الأطفال دون سن الخامسة؛ ويعيش معظمهم في إفريقيا وآسيا.ويحد التقزم من فرص الأطفال في الحياة، ويجعلهم أقل قدرة عند البلوغ على المساهمة في التحول الاجتماعي والاقتصادي لبلدهم، كل هذا عن طريق إبطاء نموهم الجسدي والمعرفي، ويشكل النقص الناتج في المهارات مخاطر كبيرة على النمو الاقتصادي في المستقبل في إفريقيا، وجنوب شرق آسيا والهند، ومن ثم على الصعيد العالمي، ومع أن التكلفة الأولية للتقزم تتحملها أسرة الطفل، فإن التأثير الاقتصادي يؤثر علينا جميعًا. وفي حين أن الكوارث الطبيعية غالبا ما تحدث مرة واحدة، وتتطلب استجابة فورية واسعة النطاق، فإن تزويد الأمهات، والأطفال، بالمواد المغذية، والفيتامينات التي يحتاجون إليها، تتطلب جهداً ثابتاً ودائماً مع مرور الوقت. وهذه هي الفكرة وراء تأسيس UNITLIFE (يونت لايف)، وهي مبادرة جديدة للأمم المتحدة، تهدف إلى معالجة التقزم بدعم من الناس في جميع أنحاء العالم، وعن طريق تعبئة التبرعات الفردية الطوعية، ستساعد UNITLIFE في تمويل برامج التغذية في البلدان النامية، وخاصة في إفريقيا جنوب الصحراء، وتستند المبادرة، التي يشرف عليها صندوق الأمم المتحدة لتنمية رأس المال، إلى منظمة التمويل الابتكارية الناجحة UNITAID (يونت إيد)، التي يموَّل صندوقها الذي تبلغ قيمته 3 مليارات دولار، والمخصص لمكافحة الأمراض، عن طريق ضريبة تضامنية على التذاكر الجوية تفرض في عشرة بلدان.وخلال الخمسة عشر عاما الماضية، طور موظفو الاتصالات، والبنوك، وشركات التكنولوجيا الفائقة، أنظمة الأداء الإلكتروني على الهاتف المحمول، تسمح للناس بتحويل الأموال بسرعة التغريدة. إذ يمكن للمقيم في لوس أنجلوس، أو نيروبي التبرع لدعم برنامج مكافحة التقزم في إيسواتيني (سوازيلاند)، من منزله المريح، ويمكن للمتسوقين المساهمة بمبالغ في متناولهم عند الأداء، مما يحول الإجراء البسيط المتمثل في تمرير بطاقاتهم، أو مسحها إلى ظاهرة عالمية لتأثيرها على التنمية.وفي الواقع، يمكن لأي شخص، المساهمة في UNITLIFE عن طريق مسح رمز الاستجابة السريعة، وإضافة مساهمة بأسعار معقولة لمشترياتهم عبر الإنترنت، أو في المتجر، ومع وجود 20 مليار بطاقة ائتمان، وخصم، وبطاقات مسبقة الدفع متداولة في جميع أنحاء العالم، هناك طرق لا حدود لها تقريبًا لدعم مكافحة التقزم.إن الناس هم أهم مورد في العالم، لكن التقزم يحد من القدرات البشرية، ويقلل الاستثمار الحالي في المستقبل، ولحسن الحظ فإن النمو السريع للتكنولوجيات الرقمية يعني أنه يمكننا الآن تخيل عالم تساهم فيه ملايين التبرعات الطوعية الصغيرة في إنهاء هذه الآفة، مما يحسن حياة النساء والأطفال إلى حد لا يُحصى.وعن طريق تجميع الموارد محليا، ترفع النساء في جميع أنحاء إفريقيا وآسيا من مستويات معيشة مجتمعاتهن، وبميزانية مجتمعية عالمية، يمكننا تعزيز أسس الحياة، والمساهمة في تقدم الإنسان، وتأمين مستقبلنا الجماعي.* فيليب دوست بلازي، وزير الخارجية الفرنسي السابق، والمستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بشأن التمويل الابتكاري من أجل التنمية، وكارل مانلان زميل في برنامج الأصوات الجديدة لعام 2016 في معهد أسبن، وكبير موظفي العمليات في مؤسسة إيكوبانك.
التقزم أو سوء التغذية المزمن مشكلة كبيرة تستدعي التعاون المجتمعي لمعالجته