السفير أحمد غيث في ذمة الله
الكويت تفقد أحد دبلوماسييها المخضرمين
لم تطل غيبة السفير أحمد غيث عن الأعين في الأشهر الأخيرة، التي قضاها متنقلاً بين المستشفيات. كانت هذه الفترة تمضي بسرعة، حتى جاءت لحظة الوداع فجر أمس.أن تفقد صديقاً عزيزاً ليس بالأمر الهيِّن، فقد جمعتنا به قواسم مشتركة في الكتابة والهمِّ الوطني والقومي، لاسيما أنه كان من الرعيل الأول لأبناء القوميين العرب.أحمد غيث اليوسف شخصية دبلوماسية عريقة، ومن الطراز الأول، وترك بصماته في عالم الدبلوماسية.
ألححت عليه في سنوات التقاعد لكتابة مذكراته، وكنتُ من الداعين لذلك، لما يختزنه من تجارب ومعلومات جمعها على مدى سنوات عُمره، إلا أن الكتابة بالصحافة أخذته إلى هذا العالم اليومي، وبقيتْ المذكرات تدور في ديوانه وبين الأصدقاء، الذين كُنا نلتقيهم في بيته بالرميثية.كان أشبه بموسوعة تاريخية عن علاقة الكويت بالعالم الخارجي، وفي أحاديثه كان كثيراً ما يُفصح عن قضايا مهمة ومعارك خاضها بالخارج، دفاعاً عن الكويت، ولمصلحة بلده، الذي أفنى حياته من أجله، وقد استهلكت غربته معظم عُمره المديد. فبعد تخرجه في جامعة القاهرة بالعلوم السياسية عام 1958 عاد إلى الكويت، وأول وظيفة تولاها في حياته العملية كانت مدير مكتب مقاطعة إسرائيل، وبقي في هذه المهمة حتى عام 1961.في بداية مشوار حياته بوزارة الخارجية وبالسلك الدبلوماسي تم تعيينه سكرتيراً أول في مدينة جدة مع السفير عيسى العبدالجليل، واستمر هناك إلى عام 1963، ثم انتقل إلى بيروت، ليعمل سكرتيراً أول، ثم مستشاراً، فوزيراً مفوضاً أيام الرئيس فؤاد شهاب، ثم شارل الحلو. وبعدما أصبح السفير محمد الغانم وزيراً عام 1965 أصبح قائماً بالأعمال في السفارة الكويتية ببيروت.وفي عام 1966 عُيِّن وزيراً مفوضاً بدرجة سفير في ليبيا، وقدَّم أوراق اعتماده إلى الملك إدريس السنوسي، ثم إلى الاتحاد السوفياتي عام 1969 في عهد بريجنيف. وبعدها تم نقله إلى الأردن أيام حُكم الملك حسين، بدءاً من عام 1973 ، ثم خاض تجربة جديدة، بتعيينه سفيراً في اليابان، واستمر هناك حتى عام 1984 . وعاد إلى الكويت، ثم التحق بالسفارة في إيطاليا، وبقي فيها فترة بعد الغزو، وكانت له مواقف مشرِّفة خاضها إلى جانب الدبلوماسي محمد خلف وفريق السفارة بوجه العراقيين والفلسطينيين.علاقته بلبنان وحبه له أعاداه من جديد سفيراً عام 1992 ، ليرجع بعدها بـ6 سنوات إلى وزارة الخارجية.كثيراً ما كان يردد: "أحلامنا القومية تبددت، وأصبحنا نعيش يومنا دون أمل بمشروع يُعيد لهذه الأمة جزءاً من كرامتها، ومن أجل مستقبلها".المرحوم أحمد غيث عبدالله اليوسف من مواليد 1933 بمنطقة شرق، في براحة الماص، متزوج وله ستة أبناء؛ أربع بنات وولدان، هما: هشام وخالد. "كان أباً عظيماً، وجداً حنوناً"، كما وصفه ابنه خالد.عزاؤنا لأفراد عائلته وأصدقائه الذين كان يجمعهم تحت سقف واحد.