كيف يتمسك المحافظون بناخبيهم الجدد؟
لم يحقق حزب المحافظين فوزاً ساحقاً بكل بساطة، بل شكّل فوزه بداية لتغيّر المشهد السياسي البريطاني، فقد فاز النائب الجديد إيان ليفي بأصوات الناخبين في دائرة "بلايث فالي" التي لم يسيطر عليها المحافظون يوماً، وبصفته عاملاً سابقاً في "الخدمة الصحية الوطنية"، على غرار عدد كبير من زملائه الجدد، هو لا يدخل في خانة الأثرياء المنتمين إلى الطبقة العليا، بل ينذر فوزه بتحول وشيك في تركيبة الحزب داخل البرلمان والبلد عموماً، ويُعتبر 109 أعضاء جدد من حزب المحافظين في البرلمان أبطالاً من الطبقة العاملة.اليوم، يطرح الجميع السؤال التالي: "الآن وقد فزنا بهؤلاء الناخبين الجدد، هل نستطيع التمسك بهم"؟ يُفترض أن يجيب المحافظون بالإيجاب عن هذا السؤال بكل ثقة. يعمد نواب من حزب العمال (لا المدافعون اليساريون عن جيريمي كوربين فحسب) إلى مواساة أنفسهم عبر الفكرة القائلة إن الدوائر الانتخابية المحسوبة على حزب العمال ستعود إلى سابق عهدها في الانتخابات المقبلة.لكن يُفترض أن ينظر هؤلاء إلى اسكتلندا، حيث أطاح "الحزب القومي الاسكتلندي" بحزب العمال الطاغي سابقاً بعدما أغرقته تهم الفساد والغطرسة، ولم يسترجع مكانته بعد. قد يتكرر الموقف نفسه في إنكلترا وويلز إذا لم يتوخوا الحذر.
ما العمل إذاً لكسب ثقتهم بالكامل؟ على المحافظين أن ينفذوا وعودهم المعروفة: إنجاز "بريكست" وتوفير أموال إضافية للخدمات الصحية والتعليم والشرطة والبنى التحتية، لكن هذه الخطوة لن تكون كافية بأي شكل، بل يجب أن تعكس الحد الأدنى من الطموحات.على صعيد آخر، يتعين على المحافظين أن يعززوا الحراك الاجتماعي، إذ لم يذكر أحد هذه العبارة، لكن تكلم الكثيرون عن الفرص المتاحة أمامهم وأمام أولادهم، والأمر سيان، حيث كانت بريطانيا زعيمة العالم في الحراك الاجتماعي، لكنها أصبحت اليوم في أدنى المراتب، فاكتفت جميع الحكومات منذ عهد ثاتشر بالتكلم عن هذه المشكلة، لكنها لم تتخذ أي خطوات ملموسة، حتى أنها زادتها سوءاً. يقع أثقل عبء مترتب عن هذا الفشل على عاتق الشباب في أفقر المناطق، وقد ألمح تقرير "أوغار" إلى مسار الحل، مع أن نطاق اختصاصه منعه من طرح حل واضح، لذلك يجب أن يكون الهدف السياسي الجديد بسيطاً: منح الأولاد من جميع الخلفيات تعليماً لائقاً كي يحصلوا على مؤهلات تُخولهم إطلاق مهنة محترمة، من دون قروض ساحقة طوال الحياة. يُفترض أن يصبح هذا الهدف على رأس أولويات الحكومة الجديدة، فهي أفضل طريقة مستهدفة لمساعدة جيلٍ يستحق الدعم.ارتكزت واحدة من أعظم مساهمات ثاتشر في الحراك الاجتماعي على تشجيع امتلاك المنازل: كان 65% من الشباب يملك منزله أصلاً أو يشتري منزله الخاص، واليوم تراجعت تلك النسبة إلى 25%. السبب بسيط: لم نعد نبني منازل كافية! في آخر 15 سنة، زاد العدد السكاني بمعدل سبعة ملايين نسمة.حان الوقت كي نتخلص من معظم هذه البنية وكي يكسب المتحررون ثمار جهودهم الخاصة، من دون أعباء حكومية مفرطة، يُفترض ألا يجد المحافظون صعوبة كبرى في تحقيق هذا الهدف بطريقة تساعد الشمال والجنوب معاً، ولا تنطبق هذه الخطة على الطبقة العليا فحسب، بل سيواجه العاملون الفقراء مشاكل مماثلة بسبب نظام الائتمان الضريبي.يوصلنا هذا الموضوع إلى الطبقات العاملة المحافِظة "الجديدة"، فيجب ألا يفترض أحد أن محاولة استمالة هذه الفئة هي مجرد مناورة جديدة من حزب المحافظين، فأنجح منظمة سياسية في العالم حققت إنجازاتها طوال قرنَين لأنها اتكلت في معظم الأوقات على الطبقة العاملة لحصد نصف أصواتها على الأقل.هذا الوضع ليس جديداً إذاً، حيث يسجّل المحافظون رقماً قياسياً وسط الطبقة العاملة، ولا بد من استرجاع تلك الأرقام، وفي هذه المعركة السياسية الجديدة لن يسود أكبر توتر بين اليساريين واليمينيين، ولا حتى بين مؤيدي السياسات المالية والنقدية المتساهلة ومعارضيها، بل ستنشأ المعركة هذه المرة بين الإبداع والتقاليد، ولطالما بدا رئيس الحكومة البريطاني مؤيداً لمقولة نيلسون "الجرأة أكثر المسارات أماناً"، لذا من المتوقع أن يستمتع بهذه المعركة بالذات، وفي هذه الحالة لن تكون المقاعد الجديدة التي حصدها المحافظون في "ميدلاندز" و"ويلز" والشمال آخر مقاعد يفوزون بها!*ديفيد ديفيس