كما كان متوقعاً، صوّتت الأغلبية الديمقراطية بمجلس النواب الأميركي على إحالة الرئيس دونالد ترامب إلى المحاكمة أمام مجلس الشيوخ بتهمتَي استغلال السلطة وعرقلة عمل "الكونغرس"، ليصبح بذلك ثالث رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يواجه إجراءً رسمياً لعزله.

وبتصويت حزبي واضح، اتهم النواب الديمقراطيون ترامب باستغلال السلطة، من خلال محاولة الضغط على أوكرانيا لفتح تحقيق بشأن خصمه الرئيسي في انتخابات 2020 جو بايدن، وكذلك عرقلة عمل "الكونغرس" عبر رفضه التعاون مع التحقيق الرامي لعزله، إذ منع موظفين من الإدلاء بشهاداتهم، ورفض تقديم وثائق كأدلة.

Ad

وعارض البندين كلُّ الجمهوريين بالمجلس، والديمقراطيان كولين بيترسون وجيف فان درو، في حين عارض الديمقراطي غاريد غولدن تهمة عرقلة عمل "الكونغرس"، وأيّد تهمة إساءة استغلال السلطة. وامتنعت النائبة المثيرة للجدل تولسي غابارد، التي تسعى إلى أن يرشحها الحزب الديمقراطي لـ "الرئاسية"، عن التصويت على البندين، مكتفية بإثبات حضورها.

ولم يحدث طوال 243 عاماً، هي عمر الولايات المتحدة، أن أُزيح رئيس من منصبه بعد مساءلة برلمانية. وسيتطلب ذلك أغلبية بواقع الثلثين في مجلس الشيوخ الذي يضم 100 عضو، مما يستلزم انضمام 20 جمهورياً على الأقل إلى الديمقراطيين في التصويت ضد ترامب، ولم يحدث أن أشار أحد إلى أنه سيفعل هذا، مما يعني أن الخطوة التي قام بها الديمقراطيون ستفشل في عزل ترامب من منصبه.

لكن مع ذلك يبقى التصويت، الذي حصل في مجلس النواب تاريخياً، إذ إنّه في تاريخ الولايات المتحدة بأسره لم يُحَلْ إلا رئيسان للمحاكمة أمام مجلس الشيوخ، هما أندرو جونسون في 1868 وبيل كلينتون في 1998، وقد بُرّئ كلاهما في مجلس الشيوخ. أما ريتشارد نيكسون، فاستقال في 1974 قبل أن يصوّت مجلس النواب على إحالته إلى المحاكمة، على خلفية فضيحة ووترغيت.

وعلّق ترامب على القرار، ونشر على "تويتر" صورة له بالأسود والأبيض، مشيراً بإصبعه، وكتب تحتها: "في الحقيقة هم لا يطاردونني... إنهم يطاردونكم... أنا فقط عقبة في الطريق".

وفي الوقت الذي كان مجلس النواب يصوّت على اتهامه، كان الملياردير الجمهوري يلقي على بعد ألف كيلومتر من واشنطن خطاباً أمام حشد من أنصاره في تجمّع انتخابي بمدينة باتل كريك بولاية ميشيغان، متهماً الديمقراطيين بمحاولة "إبطال تصويت عشرات ملايين الأميركيين" الذين انتخبوه رئيساً في 2016، ومتهماً خصومه بأنهم أقدموا لتوّهم على عملية "انتحار سياسي".

ونددت المتحدثة باسم البيت الأبيض، ستيفاني غريشام، بتصويت مجلس النواب، واعتبرته "أحد أكثر الفصول السياسية المخجلة في تاريخ أمتنا"، مؤكدة أن ترامب "جاهز للخطوات التالية وواثق بتبرئته تماماً".

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، يبقى السؤال عما إذا كان لجوء الديمقراطيين إلى هذا الإجراء الدستوري سيحسّن فرصهم الرئاسية وفي انتخابات "الكونغرس" أم سينعكس عليهم سلباً.

وعبّر ترامب عن شعوره بالفخر لوقوف الجمهوريين في مجلس النواب متحدين في معارضة المساءلة، لافتاً إلى أن عشرات الملايين سيخرجون العام المقبل لإنهاء سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب والتصويت على "طرد بيلوسي من منصبها".

وفي مجلس النواب، خاطر بعض النواب الديمقراطيين ممّن يمثّلون مناطق محافظة بخسارة الانتخابات العام المقبل بتصويتهم لمصلحة عزل الرئيس، لكنّهم مع ذلك قرّروا الاصطفاف خلف حزبهم في التصويت، الأمر الذي بدا يثير تساؤلات حول نجاح رهان الديمقراطيين على الاستفادة انتخابياً من إجراءات العزل.

وفتحت الأسهم الأميركية على ارتفاع طفيف، أمس، في حين غض المستثمرون الطرف عن مساءلة ترامب، الذي من المستبعد إقالته، واعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاتهامات الموجهة للرئيس الأميركي مختلقة تماماً.