المحاسبة للأسباب الخطأ
لم يكن هناك عيب سياسي وأخلاقي في التغريدة المنسوبة إلى الوزيرة غدير أسيري، أيام دخول قوات درع الجزيرة للبحرين، كانت التغريدة موقفاً مبدئياً يعبر عن قناعة صاحبها (تها) في سنة الربيع العربي. العيب والمخجل أن تنفي غدير صدور تلك التغريدة منها، بحسب ما نسبته إليها الإعلامية فجر السعيد في محطتها التلفزيونية. إذا كانت مثل تلك التغريدة "مزورة" ومنسوبة إلى غدير، فكان الأولى أن تبادر الضحية المزعومة إلى نفي حديثها مع فجر السعيد، وعليها تقديم شكوى لسلطة التحقيق عما نُسب إليها لو حدث التزوير حقيقةً. إغلاق حسابها بـ"تويتر" بعد قبولها المنصب الوزاري لا يشفع أبداً لغدير، متى صحت نسبة التغريدة إليها، فهذا لا يعني ندمها –الذي ليس له مبرر- على التعبير عن موقف سياسي قديم، بل يعني انتهازية وانقلابَ مواقف فرضته ظروف سياسية كتقلُّدها منصب وزير، وهو منصب لا يستأهل أبداً مثل هذا الانقلاب الفكري.
عيب، وعيب كبير من غدير إذا بلعت الكلام المنسوب إليها في التغريدة، وهنا دائماً نستدرك بـ"إذا" الشرطية، فتلك الشخصية المتقلبة حسب الظروف لا يصح أن تكون في موقع المسؤولية أبداً، إلا إذا كان هناك استثناء في معايير مواصفات المناصب القيادية بالدولة، فيصح بالكويت ما لا يصح بغيرها من دول السنع! وهذا ليس غريباً عن ممارسة السلطة واحتكارها للقرار السياسي. متى صح نفي هذه التغريدة من غدير، رغم ثبوت صدورها منها، وذلك مع التأكيد المكرر لـ "إذا" كقضية شرطية، فهي قد ورطت حكومة الشيخ صباح الخالد، وحرقت سفنه دون مبرر، وعليها أن تبادر من تلقاء ذاتها إلى الاستقالة من منصبها. هذا لا يعني تقليد أوسمة البطولة على صدور المعترضين لتوزير غدير، فهم يحاسبون الحكومة وكأنهم ولاة الشرع والمصلحة العامة؛ يحاسبونها للأسباب الخطأ، فليس صدور التغريدة المنسوبة إلى غدير ما يجب أن يحاسب عليه رئيس الحكومة، بل نفي التغريدة، بفرض ثبوتها من غدير، هو ما يوجب محاسبة الحكومة في اختياراتها، فهنا تتم المحاسبة على أساس المصداقية السياسية، لا على شروط المزايدات الدينية وإملاءات الوصاية على العقل وحرية الاعتقاد باسم الشرع والمصلحة العامة. حرج وتفاهة يَصِمان واقع حال الإدارة السياسية، فقضايا بلاغات فساد كبرى مرعبة قدمت من وزير الدفاع السابق وهي رهن التحقيق القضائي، وعلينا انتظار النتائج بصبر أيوب، ويبدو أن هناك قادماً أكبر مما قدم. أيضاً، أزمة أسعار النفط، وآلاف البشر قادمون قريباً جداً لسوق العمل دون وجود فرص عمل مناسبة، مع تنامي عجز الميزانية وتقلص الاحتياطي المالي للدولة؛ كلها ما يجب أن يشغل بالنا اليوم، لا قضايا الخيبة التي يجترها فقهاء السياسة الكويتية، اصحوا.