فيما يشبه تقاذف "كرة نار" بين مؤسسات العراق الغارق بأزمة سياسية حادة واحتجاجات شعبية دامية ضد الفساد والأحزاب، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا، أمس، توضيحاً غير حاسم لمفهوم "الكتلة البرلمانية الأكبر"، مما أعاد الأزمة إلى البرلمان الذي سبق أن ردّ على رئيس الجمهورية برهم صالح بشأن تحديد الكتلة بجواب مبهم.وقال المتحدث الرسمي للمحكمة إياس الساموك: "استناداً إلى طلب رئيس الجمهورية الأسبوع الماضي من المحكمة تحديد الكتلة الأكثر عددا، عقدت المحكمة جلسة للنظر في الطلب بكامل أعضائها، وأصدرت القرار الآتي، إن تعبير الكتلة النيابية الأكثر عدداً من الدستور تعني إما الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، أو الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية، ودخلت مجلس النواب وأصبحت مقاعدها بعد دخولها المجلس وحلف أعضائها اليمين الدستورية في الجلسة الأولى الأكثر عدداً من بقية الكتل".
وأضاف: "يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل مجلس الوزراء وفقاً لأحكام الدستور وخلال المدة المحددة فيها، وهذا ما استقرت عليه المحكمة الاتحادية وببيان مفهوم الكتلة النيابية الأكثر عددا".وفي غياب اتفاق بين الكتل البرلمانية على الشخصية التي ستوكل إليها مهمة تشكيل الحكومة، مدد صالح المهلة الدستورية حتى أمس، علما بأن الدستور يضمن له تسمية مرشح خلال 15 يوما بعد انتهاء المهلة الدستورية الرسمية.
تأجج وتراجع
وعشية انتهاء المهلة الدستورية الممنوحة لرئيس الجمهورية لتكليف خليفة لرئيس الحكومة المستقيل عادل عبدالمهدي، تأججت الاحتجاجات في عموم العراق عقب نشر راعي كتلة "سائرون" رجل الدين البارز مقتدى الصدر، تدوينة على "تويتر" أعلن فيها رفض مرشح كتلة "الفتح"، التي تضم فصائل شديدة الصلة بإيران، وزير التعليم العالي السابق، قصي السهيل، قبل أن يحذفها لاحقا.وقال الصدر عبر "تويتر": "أيها الإخوة في كتلة البناء الفتح، أيها الأخ، احقنوا الدم العراقي، واحترموا أوامر المرجعية، واحترموا إرادة الشعب، واحفظوا كرامتكم، هو خير لنا ولكم وللعراق أجمع، الشعب هو الكتلة الأكبر".وفي وقت يؤكد مسؤولون سياسيون أن الجارة الإيرانية صاحبة النفوذ القوي، تواصل سعيها لتمرير مرشحها السهيل، الذي كان وزيرا في الحكومة المستقيلة، أعلن الشارع رفضه التام للسهيل، معتبراً أنه جزء من طبقة سياسية تحتكر الحكم منذ 16 عاماً في البلاد. والسهيل عضو سابق في تيار الصدر، وانضم في ما بعد إلى كتلة دولة القانون، التي يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.وبعد نحو أسبوعين من الهدوء، أعاد المتظاهرون رفع الصوت في وجه تسويف السياسيين غير القادرين على التوافق حول رئيس جديد للوزراء مع انتهاء المهلة الدستورية أمس، وأمام إصرار الجارة الإيرانية التي ترفض التنازل عن خيارها.وأقدم آلاف المتظاهرين على قطع الطرقات وإغلاق الدوائر الحكومية في غالبية مدن جنوب البلاد، ومن بينها كربلاء والنجف والناصرية والبصرة أمس.وبعد أسابيع عدة من الهدوء في الاحتجاجات بفعل حملات الترهيب والخطف والاغتيالات التي تقوم بها ميليشيات وفق الأمم المتحدة، فإن الانتفاضة عادت لتُستأنف.وفي العاصمة بغداد تجمع الطلاب في ساحة التحرير المركزية بوسط العاصمة.إسقاط ومليونية
وارتفعت الأصوات، أمس، في ساحات التظاهر لتنادي بإسقاط رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ورئيس الجمهورية لاتهامهما بـ "المماطلة" في تنفيذ مطالب "الحراك الشعبي".وأعادت قوات الأمن العراقية افتتاح عدد من الطرق في محافظة البصرة، جنوبي البلاد، بعد إغلاقها من قبل محتجين في الصباح الباكر، في حين دعا اتحاد طلبة بغداد، طلبة الجامعات والكليات الأهلية والحكومية إلى الخروج بمسيرة مليونية دعما لمطالب المتظاهرين في ساحة التحرير.الحلبوسي والبارزاني
وأمام تفاقم الأزمة داخل "البيت الشيعي" بسبب بيان "سائرون" و"الفتح"، أعلنت رئاسة كردستان إقليم كردستان عن وجود اتفاق بين رئيس البرلمان ورئيس الإقليم نيجرفان البارزاني على "مساعدة الشركاء" في اختيار رئيس الوزراء القادم، بما يتفق مع إرادة ومطالب الشعب.وقال مكتب بارزاني إن الأخير "استقبل الحلبوسي بحضور نائب رئيس الوزراء وزير المالية فؤاد حسين لبحث مسألة تشكيل الكابينة الجديدة للحكومة الاتحادية".واتفقت آراء الجانبين على "العمل المشترك من أجل العثور على طرق إيجابية لحل المشاكل بالصورة التي تلبي المطالب المشروعة وتخدم كل البلد وشعب ومكونات العراق".نفي السيستاني
من جانب آخر، نفى مكتب المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، أمس، امتلاكه أي حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أن كل الحسابات التي تحمل اسمه مزورة.وأعرب رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، أمس، عن أمله في تسمية رئيس حكومة يمتلك القدرة على النهوض بالمسؤولية ويلبي طموح الجماهير.في غضون ذلك، كشفت مفوضية حقوق الإنسان العراقية، أمس، أن 29 حالة اغتيال طالت ناشطين منذ انطلاق التظاهرات من مطلع أكتوبر الماضي، وحتى أمس. وذكرت أن "26 حالة اغتيال وقعت ضد ناشطين، و3 محاولات غير ناجحة، وقع منها في بغداد وحدها 13 حالة".ولفتت إلى أن "السلطات الحكومية لم تلقِ القبض حتى الآن على أي من الجناة".اغتيال وتمديد
في سياق منفصل، أفاد مصدر أمني في قيادة شرطة نينوى باغتيال خطيب جامع الهدى في إحدى نواحي جنوب الموصل أمس. على صعيد آخر، مددت إيران، أمس، قرار إعفاء العراقيين من تأشيرة الدخول مدة شهرين إضافيين.