عام قديم عام جديد
يبدو خطو الوقت مأزقاً حياتياً كبيراً، فما إن ننتبه للحظة إلا وتكون قد عبرت من أمامنا. ولذا كان الإمساك بلحظة زمان، وسيبقى، شأناً مستحيلاً! وهذا ما يعطي الفن والرسم والموسيقى والمسرح والسينما والكتابة بالأجناس الأدبية، تميّزها الأهم، حيث قدرتها على اصطياد لحظة زمن إنسانية عابرة، ومن ثم تسميرها على مشجب الزمن، وإتاحة الفرصة للعودة إليها في أي وقت لاحق. أظنّه مخطئ مَن يحسب أيام وسنوات عمره بانتباهة مفاجئة، فيقفز إلى ذهنه حساب السنين، ويردّد بحسرة: كبرتُ وصرت بالعشرين، أو الثلاثين، أو الأربعين، أو الستين، أو السبعين... ما كان لإنسان أن يصير ويكبر لولا مشيه وعبوره لدرب الحياة، وهذا وحده مكسب كبير، وأي مكسب؟ فالعيش، مجرد العيش، هو نقيض الموت والغياب والمجهول.لذا أن تعيش قاطعاً درب الحياة بصحبة من حولك، فهذا كسب كبير، خاصة وأن الدرب بجانبين؛ جانب اليومي والعادي وربّما المُمل، وجانب لحظات فرح تعبر كي تضيف رونقا على مسيرة الطريق، وكي تذكرنا بأن للدرب منعطفات تهزّ القلب والروح.
اعتاد الناس الاحتفال برأس السنة، وهو محاولة متفائلة لاستقبال عام مخبّأ، وأيام مغطاة بالسر والانتظار. فالناس لا تودع عاماً انقضى، بما فيه من حلو ومرّ، بل هم يفتحون صدورهم لاستقبال عام جديد، يتمنون لو حقق شيئا من أمانيهم وقدّم لهم بعضاً من حلمٍ تتوق أرواحهم لملامسته وعيش جنانه.يشقى البعض بارتفاع سقف أمانيهم، وهم يشقون أكثر حين يغفلون عما يحيط بهم من نعم صامتة بخيرها.فمن لبس ثوب الصحة حاز نعمة غالية، تكاد تكون أثمن النعم. فامتلاك الملايين وسط المرض، يظهر بوضوح أن المال لن يزيد صاحبه إلا حسرة على حسرة. وكذا العيش وسط أسرة وأطفال وأقرباء، فمن حاز طفلاً في حظه، حظي بامتداد حياة لا يُقدّر بثمن. وكذلك من عاش على أرض وطنه، بعيدا عن وحوش الغربة، فقد كُتب له رغداً عليه أن يعتزّ به. عام مرَّ بحلوه ومره، وعام قادم نتمنى أن يكون أفضل وأجمل. لكن، جميع توجهات علم النفس الحديث وأحاديث علماء من مثل الأميركي د. جو ديسبنزا-Dr.Joe Dispenza تؤكد أن العلم الحديث أثبت أن وعي الإنسان بلحظته هو أحد أهم مصادر السعادة.وعلى العكس من ذلك؛ إهمال اللحظة الحاضرة بما يؤثثها من ملذات خانسة، والعيش في بؤس تذكّر لحظات عمر مرّت وانقضت. فالإنسان الذي بمقدوره وضع نفسه في حالة حزن حين يتذكر المآسي، هو نفسه يستطيع أن يضع نفسه في حالة سرور وسعادة حين يستذكر الفرح، وبالتالي يعيش لحظات خير بما حوله.أحد أهم الاكتشافات العلمية الحديثة، هو أن الجسد البشري لا يفرّق بين عيش المتع أو الوجع الفيزيائي الحقيقي، وبين عيش تلك المُتع أو المآسي عبر استحضارها في الخيال.وبالتالي، فإن الجسد الإنساني يفرز هرمونات الفرح أو الحزن بناء على الحالة النفسية التي يعيشها. ومن هنا فإن الإنسان هو وحده القادر على أن يضيف سعداً وفرحاً ملوّناً للحظة عيشه، وهو وحده قادر على أن يجعل اللون الأسود ظلاما دامسا ومريعاً للحظته.عام قادم على الأبواب، وليس أجمل من لحظة تأمّل في هذا القادم الجديد، وبثّ بثور خير وأمل في دربه. فبالرغم من كل ما يعيشه العالم من مآسٍ وعنف وحروب ودم، يبقى الأمل في عيش لحظات خير تبتدئ عند الخاص وتنتهي عند العام.فليس أجمل من توقّع خير يجعل الروح الإنسانية تطفح بالبِشر، ويرسم ابتسامة على وجوهنا متجاوزة وجع اللحظة الراهنة، فوحده وعي الإنسان العجيب قادر على تجاوز الوجع بابتسامة تخفّفه أو عيش وجع اللحظة بمرارة تضخّمه وتجعل الحياة مستحيلة معه.لكم عام قادم يحقق أماني قلوبكم.