التضخم... والقطط السمان
من المؤسف أن يكون التطاول على الأموال العامة، بسرقتها وتبديدها والتكسُّب على حسابها، ظاهرة ومسلكاً سائداً في بلدي الكويت، منذ الستينيات. ومن المؤسف أن القطط السمان، التي تقتات على الأموال العامة، هم مَنْ يكونون بمواقع المسؤولية، أي المؤتمنون عليها، بمعنى أن "حاميها حراميها"، سواء كان أولئك المسؤولون من أبناء الأسرة الحاكمة، أو وزراء، أو أعضاء مجلس أمة، أو آخرين في مواقع القرار.ومن المؤسف حقاً أن نسمع ونشاهد تصريحات للمسؤولين يذكرون أنهم سيحافظون على الأموال العامة، ويحاربون مَنْ يعتدي عليها، وستتم محاسبة مَنْ يتجرَّأ على ذلك، وسرعان ما نفقد الثقة بكل تلك التصريحات، حينما نرى عدم المصداقية وعدم الجدية في تحقيق ذلك. ومما يُؤسف له، أن نجد مثل هؤلاء المسؤولين ضالعين في نهب الأموال العامة، بل متواطئين أو شركاء في أحيان كثيرة مع سُراقها، أي باختصار "حاميها حراميها".
ومن المؤسف أننا أصبحنا اليوم أمام ظواهر متعددة لنهب وسرقة الأموال العامة، بل أمام مسلك خطير يسعى إلى اقتسام البلد وتصفيته، وكأنما هو شركة انتهى الغرض من وجودها. ورغم تزايد الجهات والمؤسسات التي أُوكلت إليها حماية الأموال العامة والرقابة عليها، فإنه مؤسف حقاً أن تغدو جميع هذه الجهات هياكل بلا روح، وأجهزة بلا مصداقية، بل صارت إحالة القطط السمان، التي نهبت المال العام، إليها وسيلة لطمطمة سرقاتهم، أو حفظ البلاغات الموجَّهة ضدهم أو تبرئتهم.وقد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة تجرؤاً متزايداً في سرقة الأموال العامة ونهبها بشكل مكشوف ومعروف، بصورة أوجدت "تضخماً لافتاً" في مبالغ السرقات وحجمها، فقد تزايدت من مئات الآلاف من الدنانير، لتصبح عدة ملايين، ثم لتصير مئات الملايين، بل بلغت مليارات، وهو ما أوجد "قططاً سماناً متخمة" من حجم وكمية ما نهبت من المال العام. فهل يُعقل أن يرى الناس مَنْ كانت لديهم أموال قليلة يصبحون أثرياء بمئات الملايين، بعد أن تقلدوا المناصب الحكومية العُليا. وكلنا نعلم مَنْ هم هؤلاء، ويتم تداولهم بالدواوين، ولم تتم محاسبتهم أو معاقبتهم، أو تعقب وفحص سبب ثرائهم، مِن قِبل مَنْ هم في موقع القرار، ولا حتى من الجهات الرقابية والعقابية المتزايدة في البلد.إن تذمر الناس وحسرتهم على ما يشاهدون من نهب للأموال العامة، أو عجز الدولة والحكومة وأجهزتها عن محاسبة هؤلاء ومعاقبتهم أو تعقبهم، يعزز الشعور بعدم الثقة بالحكومة وجديتها في ملاحقة الفساد والمفسدين، وعلى رأسهم سارقو الأموال العامة، وهو ما يضع رئيس الوزراء صباح الخالد وحكومته، وهو يبدأ عهده الجديد، أمام محك حقيقي؛ ديني ووطني، في تنظيف البلد من هؤلاء، أو أنه وحكومته على خُطى سابقيهم ممن فقدوا الجدية والمصداقية، ولاشك في أن ذلك ستكون له عواقب وخيمة، لكن لن تفلت تلك "القطط السمان" من المحاسبة والعقاب طال الزمن أو قَصُر.