ترقية البورصة... مزايا ومكاسب ومخاطر!
• الاعتماد الأساسي على الأجانب يتطلب تطويراً للإفصاحات وتعظيماً لوزن السوق
• المطلوب إجراءات دفاعية ذات أولوية حتى على مساعي الترقية لـ «الأسواق المتقدمة»
الأموال الأجنبية، رغم فائدتها المباشرة في البورصة، لا تخلو من مخاطر مستترة تتعلق بسخونتها بين الأسواق، وحساسيتها تجاه المتغيِّرات، وبالتالي فإننا أمام مرحلة تتطلب بعض الإجراءات الدفاعية، لتقليل المخاطر ورفع درجة المنفعة.
مع إعلان مؤسسة مورغان ستانلي (msci) ترقية الكويت إلى مستوى الأسواق الناشئة، تكون البورصة حققت ثالث ترقية من مؤشر عالمي خلال عامين، بعد مؤشري فوتسي راسل وستاندرد آند بورز داو جونز، بإجمالي تدفقات مالية تلامس 2.5 مليار دينار.ومع التباهي بالترقية المستحقة، بكل ما فيها من دلائل على جودة عمليات التطوير التي اتخذتها الجهات المعنيَّة خلال السنوات الماضية، لاسيما هيئة أسواق المال وشركة البورصة والشركة الكويتية للمقاصة، فإن سوق المال يقف اليوم أمام وضع جديد يستلزم اتخاذ إجراءات دفاعية تصب في مصلحة المزيد من الشفافية والحوكمة، وتنويعا لقاعدة المستثمرين، كي لا تبقى البورصة رهينة للأموال الأجنبية، بكل ما تتميَّز به من سخونة أو حساسية عالية تجاه المتغيِّرات المؤثرة على أي سوق في العالم، خصوصاً تلك العوامل الجيوسياسية التي تعانيها منطقة الخليج بشكل متصاعد في السنوات القليلة الماضية.
دعم قوي
فبورصة الكويت تلقت دعما لافتا خلال العام الحالي من الأموال الأجنبية، إذ كسبت منذ يناير إلى نوفمبر الماضيين ما يصل إلى 16.7 في المئة، وهي أعلى نسبة نمو للسوق منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، لتتجاوز قيمتها السوقية 34 مليار دينار، بل إنه في شهر نوفمبر وحده كانت البورصة ثاني أكبر أسواق العالم تحقيقاً للمكاسب. وبالتالي، فإن هذه الأموال، بقدر ما تحققه للسوق من أرباح وصعود ومكاسب، يجب أن تتم قراءتها في الاتجاه المعاكس، من زاوية التحوط والاحتراز من أي قرار يتعلق مثلا بخفض وزن السوق، كما حدث مع دخول مؤشر ستاندرد آند بورز داو جونز لبورصة الكويت نفسها، إذ لم تتجاوز الأموال المستثمرة من المؤشر 30 مليون دولار، مع أن التوقعات السابقة كانت تتحدث عمَّا بين 200 و300 مليون دولار، أو التراجع عن التصنيف الممنوح لسوق ما، كما حدث في عام 2013 لبورصة الدار البيضاء (كازابلانكا)، التي خفضت "MSCI" تصنيفها للمغرب من درجة الأسواق الصاعدة إلى الأسواق المحدودة، نظرا لشح السيولة على أسهمها، فضلا عن المخاطر المتنوعة، ما بين اقتصادية أو جيوسياسية، أو قرارات متعلقة بسخونة الأموال أو حدة تحركاتها في الأسواق.إجراءات احترازية
ولعل من المفيد اتخاذ إجراءات احترازية تكون بمنزلة الوسادة التي تقلل من قوة أي صدمة تتعلق بمخاطر تحرُّكات الأجانب في البورصة؛ وقتية كانت أم دائمة، بعضها يتطلب قرارات تنظيمية، وأخرى تتطلب تعديلات تشريعية، وكلاهما يرتبط بتطوير عمليات الإفصاح والشفافية، كأن يتم تطوير النظام الحالي المرتبط بالإفصاح الأسبوعي عن ملكيات الأجانب في البنوك الكويتية إلى إفصاح يومي لملكيات الأجانب في جميع الأسهم المدرجة على قائمة المؤشرات الدولية، فضلا عن تعديل قانون الإفصاح عن المصالح، ليخفض النسبة المحددة للإفصاح من 5 إلى 1 في المئة، وهو ما يتبعه البنك المركزي حاليا بالنسبة للبنوك، لكنه يظل لمعلوماته الخاصة وليست العامة للمتداولين.وهذا الخفض في الإفصاح، بالتزامن مع الترقيات، سيحوِّل مفهوما عاما مبهما تحت مسمى "الأجانب" إلى إفصاح تفصيلي ينشر أسماء المساهمين، بصناديقهم وشركاتهم الاستثمارية، وهو ما سيشكِّل دعما لبورصة الكويت كلما كانت الجهات المستثمرة فيها مهنية وذات صيت مُعتبر... أو العكس.تعظيم وزن البورصة
الجانب الآخر في الإجراءات الاحترازية يتعلق بمدى القدرة على تعظيم وزن البورصة في المؤشرات العالمية، وخصوصاً من جهة إدراج شركات ذات قيمة في البورصة التي لم تجذب خلال 5 سنوات أكثر من شركتين، هما "ميزان القابضة" و"المتكاملة القابضة". وبالتالي، فإن جذب الشركات، لاسيما العائلية والتشغيلية، في قطاعات التجزئة والأغذية والخدمات والصحة والتعليم والتكنولوجيا، لمنصة الإدراج في البورصة، لابد أن ينوِّع الخيارات لدى المستثمرين الأجانب والمحليين، كما يجب على مكونات السوق، من هيئة الأسواق وبورصة الكويت تحديدا، خلق المحفزات الخاصة بالتداول على أكثر من 140 شركة في السوق الرئيسي لا تنال معظمها حتى 1 في المئة من السيولة بالتداول اليومي في البورصة عبر طرح أدوات مالية تدعم التعاملات على هذا السوق، فرفع وزن البورصة بالمؤشرات الدولية يقلل من مخاطر الانسحاب أو التعاملات الساخنة من السوق.تنويع القاعدة
مهما كانت مزايا الترقية ودخول الأموال الأجنبية كبيرة، فإن اعتماد السيولة على تعاملات الأجانب له مخاطر عديدة، فلا يوجد سوق مال في العالم يرتكز بشكل أساسي على تعاملات الأجانب، والمستثمر المحلي، خصوصاً المؤسسي، يبدو غيابه واضحاً في التعاملات اليومية لبورصة الكويت، وهو أمر يتطلب معالجات تنظيمية لتنمية الاستثمار الأجنبي، بالتوازي مع رفع حصة المستثمر المحلي على العديد من الأسهم، إلى جانب تشجيع المستثمرين على التوجه إلى الأسهم ذات الملاءة والتشغيل والعوائد.وبالتالي، كلما تنوَّعت قاعدة المستثمرين في السوق انعكس ذلك على خياراتهم وقراراتهم، وهو أمر يقلل من المخاطر في البورصة، ولعل هذه الإجراءات الدفاعية يجب أن تكون ذات أولوية، حتى على توجُّه هيئة أسواق المال المعلن للترقية لمستوى الأسواق المتقدمة في مؤشر فوتسي راسل، لأن هناك ما يستحق مراجعته من إجراءات قبل التصاعد في الترقيات، فيكون القصد منفعة والنتيجة ضرراً.
سحب الترقية أمر وارد كما حدث مع بورصة كازبلانكا