فواز قادري: الصورة الشعرية تمنح الأشياء دلالات وعمقاً

«توقّف النقد عند أسماء تكرّست وصارت طواطمَ»

نشر في 26-12-2019
آخر تحديث 26-12-2019 | 00:00
هاجر الشاعر السوري الكبير فواز قادري إلى ألمانيا، وعبّر عن أفكاره في ديوانه الأول «وعول الدم»، الذي صدر عام 1992، قبل أن تتوالى مجموعاته الشعرية البديعة، ويصبح الرجل، الذي اعتمد على تثقيف نفسه بنفسه منذ كان طفلاً يعمل في ورشة للميكانيكا، واحداً من ألمع الشعراء العرب...
المزيد من التفاصيل عن قادري نتعرف عليها في سياق هذا الحوار الذي أجرته معه «الجريدة» عبر الإنترنت، وفيما يلي تفاصيل الحوار:
• كيف كانت انطلاقتك الأولى نحو الكتابة والشعر؟

- كتبتُ ما تصوّرته شعراً، في نفس الوقت الذي تعلّمت فيه القراءة. القراءة تعلّمتها خارج المدارس، وصدف أنني حصلتُ على معارف وقراءات لم يحصل عليها أقراني الذين تعلموا في المدارس ونموت حراً كحصان البراري، واخترت الوقوف إلى جانب العدل والجمال في الإنسان على وجه العموم، والكادح على وجه الخصوص، وكنت على استعداد لدفع ثمن موقفي، من خلال عملي في حزب معارض، وكان ثمن العمل فيه غالياً، وكان مكسبي كبيراً من هذه التجربة، رغم أنني كشاعر، آخيتُ الظلّ طويلاً ولم أحصل على القليل مما أستحق.

حالة تغيير

• من واقع شعرك، لماذا تبدو مهموماً دائماً بالعشق والثورة؟

- صدر لي ديوان بعنوان "مزامير العشق والثورة" في القاهرة عام 2017، والعشق والثورة عندي حالتان تتكاملان، العشق حالة تغيير في داخل الإنسان، تغسله من أدران الملكية الخاصة والأنانية العريقة؛ أفترض هكذا والثورة تغيير في المجتمع والمفاهيم والعالم والإنسان، وبعيداً عن المطلقات إلى ما هو أكثر إنسانية، أفق الجمال والخير الممكن، بحث بلا نهاية... محاولة لن تتوقف، تصالح مع مكونات الحياة، الأشياء والكائنات، نحصل على وإلى شيء من معناها ونحن نحاولها، وأنا حاولت الحالتين: في السياسة وفشلت، وفي الشعر حاولت، ومازلتُ أحاول ولن أتوقف، وأعتقد أنني سأنجح، فالمزامير جزء أول من ثلاثية، تحمل نفس العنوان الرئيسي، مع عنوان فرعي لكل جزء. أرجو أن أستطيع طباعتها قريباً.

النفس البشرية

• تهتم إلى حد كبير بالصورة الشعرية ما السبب؟

- الصورة الشعرية تمنح الأشياء دلالات وعمقاً لا يستطيعهما الكلام المباشر، الذي هو جسر يربط بين الأشياء بأدواته العملية والمنطقيّة المألوفة التي فقدت دهشتها هي سحر اللغة وحالاتها التي تضيء كالبرق، تلتقطها أو تغيب عنك وتخسرها، هي الإشارة إلى مجاهيل النفس البشرية التي تتغير وتتنوع في كل مرة، تختلف من قصيدة إلى أخرى ومن شاعر إلى آخر.

تجربة شعرية

•تتميز قصيدة النثر التي تكتبها بجاذبية تنبع من إيقاع كامن يحسه المتلقي... كيف تصنع هذا الجمال؟

- هذا الجانب الأهم في أيّ تجربة شعرية، خصوصيّته التي لا تتشابه مع ما سبقها! والتعريف بهذا المعنى، عصي على التعريف بشكل دقيق، ولكني أستطيع أن أقول: خصوصية الشاعر هي هويته الشعرية، خياراته الدقيقة في التجربة، وعيه الجمالي، فرادته أو تقاربه مع الآخرين، بحثه الدائم وإعادة النظر بمنجزه في كل مرحلة فاصلة والبحث العميق بأدواته، تشكّله النفسي، وهناك جانب آخر له دور، هو تشكّل الفوارق بين الناس، فضلا عن خصوصيّة الإبداع... عدم ركون الشاعر إلى منجزه العام، الطمأنينة عدوّ خطر، القلق الإبداعي الذي يمشي مع المبدع يداً بيد متابعة ما يطرأ على مفاهيم الشعروعدم التأثّر بالصرعات الفقاعيّة التي تطفو على السطح، وتأخذ المساحات الأكبر من الاهتمام الإعلامي ومتابعة الكتابة الجديدة وما يطرأ على المفاهيم الجمالية، تقدير اللافت من تجارب الآخرين الشعرية، دون تجاهل أو مبالغة، وهذا مع الوقت يعطي كل شاعر خصوصيته التي لا تشبه الآخرين، وهناك شيء أخير مهم: معرفة الشكل الشعري الذي اخترت الكتابة به، معرفة جيدة، روافده ومساربه، وهذا كله لا يأتي هكذا، لأن قصيدة النثر هي الرائجة مثلاً، وهناك أكثر من قصيدة نثر، تجمعها الحرية القصوى، دون إهمال الفوارق بين قصيدة وأخرى، أعني تجربة وأخرى، مفاهيم متعددة تتعايش تحت هذه التسمية، وتجارب مختلفة تتجاور، فتوحات قصيدة النثر كثيرة، ولم يتم مقاربتها، إلى الآن.

التشابه العاصف

• كيف ترى أبرز مشكلات حركة النقد الأدبي العربي؟

- توقّف النقد عند بعض الأسماء التي تكرّست وصارت طواطمَ، بينما تجارب جديدة وجديرة تشقّ طريقها في صمت، ويتم تجاهلها، في عصر هذا التشابه العاصف، والاخوانيات والمجاملات التي فرّخت مسوخاً ليس لها علاقة بالإبداع، والتجارب المهمة لا يلتفت إليها أحد، بشكل متعمّد أحياناً، وبسبب كسل النقد في أغلب الأحيان.

الغربة القسريّة

• الانتقال إلى ميونيخ كيف انعكس على إبداعك الشعري؟

- للانزياح الجغرافي تأثير على تجربة الشاعر الحياتية، ففي الغربة القسريّة يعيش الشاعر حياتين في آن، يحتكّ بأناس يقاسمونه معاناة تبدّل المكان، في الوقت الذي لا يستطيع الفكاك فيه من مكوّنه الأول، فعلاقتي بالناس شيء من روح الشعر عندي، يقارب العامل الذاتي في بعض الأحيان! وهم جزء أساسي من مفهومي الجمالي للقصيدة، ومفهومي العضوي لعلاقة الفن بالإنسان، ومنذ جئت إلى ألمانيا وأنا رهين الذاكرة، قبل أن أستعيد توازن الشاعر، في معادلة الإنسان هو الإنسان، مهما اختلفت مرجعياته الفكرية أو الدينية والجغرافية، الشاعر الذي لم يستسلم لخسائر الحلم هناك، ولهزيمة الروح في النأي الجارح هنا.

نقلة كبيرة

• ما مشروعك الشعري الذي تعكف عليه حالياً؟

- أشتغل على مشروع أعتبره نقلة كبيرة في تجربتي وهو شبه منجز، (القصيدة الديوان)، وهي تجربة تستجيب لكل التطور الذي حصل على مفهومي الجمالي ومنجزي الشعري ومنجز قصيدة النثر عموماً، والمخطوطات هي: (مزامير العشق والثورة، مزامير، شقق مفروشة للطيور، أحد العصاة المبشرين بالجنة، شوق خفيف، معجزات صغيرة، آيات الحب العظمة، قصيدة ميونيخ، أناشيد مؤجلة، شاعر يقف في الشارع، بيتها على النهر) وهناك مخطوطة، صار لها أكثر من عام تنتظر الطباعة في مصر: "قبل الحريق، كانت الأشجار تثق بالمطر".

ثمة تجارب شعرية جديدة وجديرة تشقّ طريقها في صمت

آخيتُ الظلّ طويلاً ولم أحصل على القليل مما أستحق
back to top