للمرة الأولى منذ تسلّمه مهام منصبه، استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد، أمس، نظيره التركي رجب طيب إردوغان، الذي وصل فجأة إلى العاصمة التونسية في زيارة غير معلنة، وفي ظل توتّر متزايد بليبيا، ولبحث جهود احتواء النزاع بين حكومة «الوفاق» برئاسة فايز السراج و«الجيش الوطني» بقيادة خليفة حفتر.

ويعد إردوغان، الذي اصطحب في زيارته غير المعلنة وفداً رفيعاً ضم وزيري الخارجية مولود جاويش أغلو والدفاع خلوصي آكار ورئيس الاستخبارات هاكان فيدان ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة إبراهيم كالن ومستشارين أمنيين، هو أول زعيم دولة أجنبية يزور تونس منذ انتخاب سعيّد رئيساً وتسلّمه منصبه في أكتوبر الماضي.

Ad

وخلال مؤتمر صحافي مع سعيد، الذي استقبل على مدى أسبوعين السراج وممثلين عن زعماء قبائل ليبيا، وعدداً من المسؤولين لرأب الصدع بين الفرقاء، شدد إردوغان على ضرورة وقف إطلاق النار في العاصمة طرابلس «في أقرب وقت ممكن والعودة للعملية السياسية».

وحذّر إردوغان من أن «التطورات السلبية في ليبيا لا تقتصر عليها، إنما تمتد لدول الجوار، وعلى رأسها تونس، وهي منزعجة جداً من ذلك»، مؤكدا أنه ستكون لتونس إسهامات قيمة للغاية وبنّاءة في جهود تحقيق الاستقرار بليبيا.

ولفت إلى أنه بحث مع الجانب التونسي «الخطوات التي يمكن أن نقدم عليها والتعاون الذي يمكن القيام به لضمان وقف إطلاق نار في ليبيا والعودة للعملية السياسية»، كاشفا عن طلبه من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الروسي فلاديمير بوتين مشاركة قطر وتونس والجزائر في قمة برلين المرتقبة حول ليبيا لدرايتها بهذا الملف الشائك والأوضاع الداخلية.

تدخّل عسكري

وإذ أشار إردوغان إلى أن حكومته مررت مذكرة التفاهم مع حكومة السراج من البرلمان، وأن المرحلة المقبلة ستتواصل في اتجاه تفعيلها، انتقد موقف اليونان من اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، معتبرا أن «هذه الاتفاقية ليست من شأن أثينا، وليس لها أي كلمة نافذة» في هذا الخصوص.

وفيما يخص إرسال تركيا قوات إلى ليبيا، قال إردوغان: «حتى اليوم لم نذهب إلى أي مكان دون دعوة، وإذا تلقّينا دعوة من ليبيا بالطبع فسندرسها»، مضيفا: «نتخذ خطوات مع السراج المعترف به دوليا، وحفتر طرف غير شرعي، ويتعيّن علينا ألا نسمح بسحق أشقائنا الليبيين تحت وطأته وأمثاله».

وأكد إردوغان «وجود 5 آلاف مقاتل مرتزق من السودان وألفين من شركة فاغنر الروسية في ليبيا»، متسائلا:» «بأي صفة دخلوها؟ وما عملهم هناك؟ وما هي ارتباطاتهم؟».

دعم اقتصادي

من جهته، رفض الرئيس التونسي التعليق على الاتفاقية الموقّعة في 27 نوفمبر بإسطنبول بحضور إردوغان والسراج، باعتبارها «شأناً يخص تركيا وليبيا وليست لتونس أيّ علاقة به»، مبينا أن المباحثات مع الجانب التركي ارتكزت بشكل أكبر على تدعيم التعاون الثنائي على الصعيد الاقتصادي.

وتطرق سعيّد مع إردوغان إلى الآفاق الواسعة لتحقيق التوازن في كل المجالات، ومنها القطاع الصحي والزراعة، معلنا تعهّد ضيفه ببناء مستشفى للأطفال بجانب التعاون في مجالات أخرى.

وكان الرئيس التونسي أعلن الاثنين الماضي مبادرة أطلق عليها «إعلان تونس للسلام»، تهدف إلى دعوة كل الليبيين للجلوس إلى مائدة الحوار، بهدف التوصل إلى صيغة توافقية للخروج من الأزمة الليبية الراهنة، في إطار الاتفاق السياسي الليبي واحترام الشرعية الدولية.

موسكو وروما

وبعد محادثات مماثلة مع نظرائه في تركيا وفرنسا ومصر، شدّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال اتصال جديد مع نظيره الإيطالي لويجي دي مايو، على أهمية تنسيق الجهود لتسوية الأزمة في ليبيا وضمان وجود مرافقة دولية للعملية السلمية، في ظل الحفاظ على الدور المركزي للأمم المتحدة.

وأكد لافروف ودي مايو أهمية تشجيع الحوار بين الأطراف الليبية ومراعاة مصالح الدول المجاورة لليبيا، وغيرها من دول المنطقة. وأعربت روسيا الأسبوع الماضي عن قلقها بشأن احتمال نشر تركيا قوات في ليبيا بموجب اتفاقها مع حكومة الوفاق.

تصعيد عسكري

وعلى الأرض، أعلن مدير التوجيه المعنوي بقيادة «الجيش الوطني» خالد المحجوب، في تصريح لقناة «العربية» و»الحدث»، عن تصعيد العمليات ضد قوات «الوفاق» خلال الأيام المقبلة، حتّى حسم المعركة والسيطرة على وسط طرابلس.

وحذّر المحجوب من قوات السراج ستكون تحت مرمى النيران، بعد أن يغلق عليها كل الممرات والطرق، ويفرض عليها حصارا في مواقعها، لافتا إلى أن قوات حفتر لن تتراجع، وهو قادر على حسم المعركة، من دون استخدام الأسلحة التدميرية والتأثير على الممتلكات الخاصة والمنشآت العامة.

مهلة مصراتة

وتسود حالة ترقّب في ليبيا، للخيارات التي سينتهجها حفتر بعد انقضاء المهلة التي منحها لفصائل مصراتة للانسحاب من طرابلس وسرت، والتي تنتهي منتصف ليل أمس الأربعاء.

وأوضح محجوب أن قرار ما بعد المهلة يعد من سلطة وصلاحيات القيادة العامة للجيش، مشيراً إلى أن القيادة منحت فرصة قوبلت بتعنّت وعدم انصياع منهم، مشيراً إلى أنّ استمرارهم في المعركة سيؤدي إلى القضاء عليهم.

وأكد محجوب السيطرة على مقري كلية الشرطة وإدارة الجوازات والجنسية في منطقة صلاح الدين، الواقعة على بعد 10 كيلومترات من وسط طرابلس.

وأضاف أن قوات الجيش تستمر في التقدم وتواصل القضاء على الميلشيات في مواقعها، مؤكدا أنها نجحت، (أمس)، في السيطرة على مساكن بالجهة المقابلة لمحور صلاح الدين.

«مشروع تونس» يطالب سعيّد باستضافة حفتر

حذر حزب «حركة مشروع تونس» المعارض، أمس، رئاسة الجمهورية من الاصطفاف خلف محور تركيا وحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، وضرب مصالح تونس على خلفية زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وقال الحزب في بيان له «نرى أن هذه الزيارة واللقاءات المرتبطة بها توحي باصطفاف رسمي تونسي لمصلحة محور تركيا - حكومة الوفاق الليبية، الذي أنتج اتفاقية هي محل رفض أغلب العواصم العربية والأوروبية».

وأضاف البيان أن «الحركة تدعو رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى النأي بتونس عن هذه الاصطفافات، ليكون موقفنا معتدلا ومحايدا يتوجب أيضا دعوة المشير حفتر ورؤساء مصر واليونان، لزيارة تونس».

ورفض الحزب «أن تستعمل تونس منصة سياسية لمحور دولي معين تتناقض مصالحه مع مصالح تونس، ومع سلامة علاقاتها العربية والدولية».

كما حذر «من أي تفكير في استعمال تونس منصة لأي عمل استخباراتي أو أمني أو عسكري لمصلحة تركيا في اتجاه ليبيا».