«شهقة اليائسين» يكشف الانتحار عربياً
كتاب يرصد إقدام المبدعين والمشاهير والبسطاء عليه
يتناول كتاب «شهقة اليائسين: الانتحار في العالم العربي» عبر الباحث ياسر ثابت أبعاد تلك الظاهرة الموجعة، ويكشف بالحقائق والأرقام مدى تفشي هذا الفعل الذي يعكس أزمة مجتمعاتنا في أوضح صورها، حيث يحلل المؤلف أولاً الأسباب النفسية والاجتماعية والسياسية التي تقف وراء انتشار الانتحار في العالم العربي، وينتقل منها إلى تحليل أبرز أسماء المنتحرين في ثقافتنا وغيرها من الثقافات، والذين تنوعوا بين علماء ومفكرين وفنانين لم يجدوا بيننا متّسعاً لهم، فقرروا الانسحاب إلى العالم الآخر طارحين وراءهم عالمنا بما فيه من مظالم وتسلط.ويسرد المؤلف أيضاً تفاصيل ثرية عن قرارات الانتحار لدى عدد من المبدعين في العالم، ويقول إن بعض المنتحرين من المشاهير، من الكاتب الياباني يوكيو ميشيما إلى المغنية الإيطالية داليدا، ومن الروائي الأميركي إرنست هيمنغواي إلى الشاعرة الأميركية آن سيكستون، ومن الشاعر الروسي فلاديمير ماياكوفسكي إلى المؤلفة والقاصة الإنكليزية فرجينيا وولف، وجدوا أنها رسالتهم الأخيرة وردهم على حياة لم تعد محتملة... لكنها الحياة، والبقاء فيها رغم كل شيء، فعل إرادة وليس ترفاً يمكن الاستغناء عنه في لحظة يأس.
خريطة العالم
ويرى الباحث أن «ما يزيد صعوبة الأمر أن تلك الظاهرة تمتد على امتداد خريطة العالم انها ظاهرة ليست بعيدة عن العولمة؛ فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية ثمة خلال العقد الأخير نحو مليون حالة انتحار مسجلة سنويا في العالم، أي أكثر من عدد ضحايا جرائم قتل النفس وضحايا الحروب مجتمعين، بل إن ما بين 10 إلى 20 ضعفاً للرقم السابق حاولوا الانتحار. لقد شهدت معدلات الانتحار زيادة قدرها 60 في المئة خلال الـ45 سنة الأخيرة، علما بأن نحو 40 في المئة من حالات الانتحار في العالم تحصل في الصين والهند واليابان، نظراً لتعدادها السكاني الكبير.ويقول المؤلف إن من يستقرئ السير الذاتية واللحظات الأخيرة لعددٍ من مشاهير المنتحرين في العالم العربي، سيجد أن الأسباب تعددت، من الاكتئاب إلى المرض، ومن الظروف الاجتماعية إلى الصدمات الحياتية، مرورا بالهم الوطني العام. ومن هؤلاء الأدباء والفنانين المنتحرين نذكر الشاعر اللبناني خليل حاوي (1919-1982) الذي أطلق الرصاص على رأسه جهة العين اليسرى من بندقيته، بعد الحصار الإسرائيلي لبيروت، فحاوي الذي بدا رافضـًا ومتمرداً في كثيرٍ من أعماله الأدبية التي أعطت إيحاءً عن معاناته، مثل «نهر الرماد»، «الناي والريح»، «بيادر الجوع»، «رسائل الحب والحياة»، عاش ظروفاً تواطأت عليه منذ الصغر، وأولها مرض والده حين كان عمره في سن الحادية عشرة، وهو ما اضطره إلى العمل في صباه حمّالاً وعاملاً في الطين ورصف الطرق.حب فاشل
كما مر بتجربة حُبٍّ فاشلة، إذ ضاع عليه حُبُّه الأول والأقوى بسبب تقاليد الضيعة، كما يروي أخوه إيليا حاوي- بفتاة «كانت وحيدة والديها، جميلة هيفاء، عالية الجبين، ووجنتاها موردتان، وعيناها سوداوان، وشعرها منسدل على كتفيها، ونظم فيها شعره الريفي.تيسير السبول
وبالمثل فعل الأديب الأردني تيسير السبول (23 يناير 1939 – 15 نوفمبر 1973) الذي انتحر بطلق ناري أطلقه على نفسه. كان السبول قد عاش سنواتٍ صعبة قبل ذلك، إذ أدت حرب يونيو 1967 إلى زعزعة ما استقام من حياته، وكانت الصدمة مؤلمة وشديدة عليه فبكى الهزيمة من دون انتظار للعزاء. ترك لنا عملين أدبيين مهمين هما «أحزان صحراوية»، وهو ديوان شعري، ثم روايته «أنت منذ اليوم» الحائزة جائزة جريدة «النهار» البيروتية للرواية عام 1968.وهكذا عاد تيسير السبول ذات يومٍ من عمله في الإذاعة الأردنية - كان يشغل وقتئذ منصب رئيس البرامج الثقافية- وأطلق الرصاص على نفسه وهو مستلق على فراشه، في حين كانت زوجته الأديبة والطبيبة المشهورة مي يتيم تحضر له فنجان قهوته المعتاد.