اجتاحت مجموعات كبيرة من الهنود في الأسبوع الماضي شوارع وبلدات البلاد من أجل التعبير عن احتجاجهم على قانون الجنسية الجديد المثير للجدل. وكانت مجموعات ذلك الاحتجاج تنطلق بقوة وكثافة على الرغم من فرض أوامر تعود الى الفترة الاستعمارية وتحظر الاجتماعات العامة في البلاد. كما انطلقت الاحتجاجات في العشرات من الجامعات الهندية وأسفرت عن اجراءات عنف لقمعها من جانب الحكومة وعن اعتقال الآلاف من المحتجين، ولكن مسيرات الاحتجاج تواصلت على الرغم من ذلك وأثارت موجة معارضة لم تشهدها الهند في عدة عقود من الزمن. ومع أن الحكومة عمدت الى قطع خدمات الانترنت والهواتف الجوالة في الكثير من المناطق (بما فيها نيو دلهي) فإنها لم تتمكن من احتواء تلك الاحتجاجات العارمة والمثيرة للقلق.ومنذ إعادة انتخابها في شهر مايو الماضي، اتبعت الحكومة الوطنية برئاسة ناريندرا مودي سلسلة من الاجراءات السياسية المتشددة بما في ذلك تجريد إقليم كشمير من وضعيته على شكل منطقة شبه مستقلة، كما أصبحت حكومة مودي أكثر استبداداً وأدت الى شكاوى في أوساط مجتمع الأعمال من أجواء تنذر بالسوء في البلاد، ولكن يبدو أن قانون الجنسية الجديد الذي أقره البرلمان الهندي في الحادي عشر من هذا الشهر كان فوق الاحتمال.
وبحسب القانون الجديد سوف تمنح الجنسية الهندية الى رعايا مجموعات الأقليات – الهندوس والسيخ والبوذيين والمسيحيين – من أفغانستان وبنغلادش وباكستان الذين دخلوا البلاد بصورة غير شرعية، ولكن ذلك طرح اعادة تحديد الحكومة أيضاً للهوية الوطنية الهندية وأطلق موجة من التوتر الديني الذي خلق أزمة دستور علماني في الهند. وقد أثار القانون الجديد سلسلة واسعة من المخاوف ودفع الى مسيرات احتجاج تشكل تحدياً محتملاً غير مسبوق لحكومة مودي في الوقت الراهن.
إعادة تحديد وضعية الهند
يشكل القانون الجديد تحدياً لعلمانية الهند كما يتعين على المجموعات التي شملها ذلك القانون أن تملك القدرة على أن تصبح ضمن المواطنين الذين اكتسبوا الجنسية. وتجدر الاشارة الى أن أي دولة في العالم تستطيع اختيار نوعية اللاجئين أو المهاجرين غير الشرعيين الذين سوف تمنحهم الجنسية وفقاً لطائفة من العوامل تشمل: تقييم الأخطار، ومطالب القانون الدولي والعلاقات التاريخية والحقائق العملية للهجرة، ولكن للمرة الأولى منذ تبني دستور الهند في عام 1949 ربط البرلمان صراحة بين الهوية الدينية والمواطنة.وتصر الحكومة الهندية على أن تلك الأقليات تواجه خطراً يتهددها في أفغانستان وبنغلادش وباكستان، ومن غير المحتمل أن تتمكن من العثور على ملجأ في مكان آخر، ولكن هذه المجادلة غير مقبولة لسببين: الأول أنها تتجاهل المجموعات المسلمة التي تتعرض للاضطهاد في تلك الدول، والثاني تمت تسمية الدول ذات الأكثرية الاسلامية فقط في القانون الجديد من دون الاشارة الى مصادر اخرى محتملة للاجئين والمهاجرين غير الشرعيين من دول مجاورة مثل ميانمار وسريلانكا. كما أن القانون يستثني طائفة الروهينغا – على سبيل المثال - من الحصول على الجنسية الهندية في المستقبل. وتزعم حكومة مودي أن في وسع المجموعات التي لم تذكر في القانون الجديد التقدم بطلبات جنسية ضمن الآلية السارية في الوقت الراهن. ولكن هذا يعني – من حيث المبدأ – أن الغرض من القانون المذكور ليس حماية المجموعات السالفة الذكر فقط وإنما استثناء الرعايا المسلمين منه وهذا يجعله غير دستوري.تحديد الهوية الهندية
من جهة أخرى، يعيد القانون الجديد تحديد الهوية الهندية وينقل البلاد إلى تعريف عرقي واضح، وفي عام 1947 عندما عمد الاستعمار البريطاني الى تقسيم الهند الى دولتين مستقلتين، هما: باكستان التي تحولت الى موطن للمسلمين في شبه القارة الهندية، والهند وهي دولة علمانية، وقد أصبحت دولة هندوسية بحكم أكثرية السكان من تلك الطائفة، وتعتبر الهند ثاني أكبر دولة في العالم في عدد السكان المسلمين ولكنها لم تعمد مطلقاً الى تحديد هويتها وفقاً لمعايير الديانة أو العرق.غير أن الطائفة الهندوسية الوطنية سعت دائماً الى جعل الهند موطناً للهندوس ولذلك فإن قانون الجنسية الجديد يتقدم خطوة جلية في ذلك الاتجاه من خلال استثناء المسلمين، ويسهم الجهد الذي تمثل في التقسيم ليس فقط في منح حق اللجوء الى الأقليات من دول مجاورة ذات أكثرية مسلمة، بل إنه يعطي إشارة الى المسلمين في داخل الهند بأنهم لا يملكون الحق في العيش في تلك الدولة.وتزعم الحكومة الهندية أن قانون الجنسية الجديد لن يؤثر على حقوق أي مواطن مسلم في الهند. وذلك صحيح من الوجهة الرسمية ولكن يتعين النظر الى هذا الجانب من خلال حقيقة أن السلطات لا تملك طريقة لتحديد من هو المسلم في دولة لا يملك الكثير من سكانها الفقراء وثائق تعريف.تجربة ولاية آسام
وإذا كانت تجربة ولاية آسام تشكل عملية تحقيق موثوقة يتعين الاشارة الى أنها لم تحقق الغرض المنشود كما أن الملايين من المواطنين الفقراء كافحوا من أجل اثبات هويتهم ولكن العملية كانت بيروقراطية وكيفية، وأسفرت عن ترك الكثيرين في المعسكرات. وفي الوقت الراهن يوجد 1.9 مليون مواطن عرضة للتحول الى فئة البدون في ولاية آسام. ولكن الحصيلة المؤكدة أنه في حال وجود شخصين أحدهما هندوسي والآخر مسلم، وطلب منهما إثبات حقهما في الجنسية ومع افتراض الحكومة أنهما في الهند بصورة غير شرعية فإن القانون الجديد سوف يمكن الهندوسي من الحصول على تجنيس فيما قد لا يتمكن المسلم من نيل ذلك الحق.ويواكب قانون الجنسية الجديد ما يعرف باسم السجل الوطني للمواطنين الذي سوف يخلق الملايين من فئة البدون نتيجة أخطاء رسمية ادارية أيضاً. وحتى إذا افترضنا أن الحكومة لن تميز بين المجموعات الدينية المختلفة فإن نسبة الخطأ في العملية اذا وصلت الى 5 في المئة سوف تجعل الملايين من الأشخاص في فئة البدون، ومن المحتمل أن تكون نسبة المسلمين هنا أعلى حتى إذا لم تعلن الحكومة صراحة أنها تستهدفهم.إساءة إلى العلمانية الهندية
وتتكلم الحكومة بصوتين مختلفين حول الصلة بين قانون الجنسية وسجل المواطنين، ولكن الصلة واضحة تماماً، وقد أطلق ذلك القانون موجة معارضة غير مسبوقة في الهند، وظهر ذلك في صورتين مختلفتين، الأولى على شكل إقليمي محدد في ولاية آسام، حيث تجذرت تلك المعارضة للقانون في سياسة الولاية المحلية. وطوال عقود من الزمن جادل كثير من نشطاء ورجال السياسة فيها بأن هجرة مواطني بنغلادش الى الهند سوف تهدد هوية ولاية آسام. وفي عام 1985 وقعت الحكومة الهندية «اتفاقية آسام» التي تعهدت بطرح عملية تعريف تتعلق بالمهاجرين غير الشرعيين في الولاية. وقد نشرت السلطات أخيراً نتائج عمليتها في آسام في العام الحالي، ولم يكن مفاجئاً أن أكثرية من تم تعريفهم على شكل أشخاص استقروا بصورة غير مشروعة في ولاية آسام كانوا من هندوس بنغلادش.وتجدر الاشارة الى أن قانون الجنسية الجديد يمنح تلك الفئة الآن الجنسية في انتهاك لاتفاقية آسام، وهو ما أطلق موجة احتجاجات في الولاية شجب المتظاهرون فيها القانون الجديد على اعتباره خيانة من جانب الحكومة المركزية وتهديداً لوضع آسام الديمغرافي.وفي أماكن أخرى من الهند كانت الاحتجاجات ضد قانون الجنسية متمشية بقدر أكبر مع دستور البلاد ومبادئ المساواة. وقد شهدت الهند أكبر انطلاق لاحتجاجات الطلاب منذ السبعينيات من القرن في عهد رئيسة الوزراء انديرا غاندي وأحدثت هزة في كل الجامعات الكبرى، وطالبت شرائح مختلفة من المتظاهرين بإلغاء ذلك القانون – ومن المتوقع أن تدفع تلك المظاهرات الهند الى أزمة عميقة ومؤثرة، ولكنها قد تعارض توجه رئيس الوزراء مودي نحو الوطنية الهندوسية. وتعكس أولويات سياسة حزب بهاراتيا جاناتا في الأشهر الأخيرة تحولاً عقائدياً واضحاً يتمثل في تمزيق الحكم الذاتي الاسمي لكشمير كما أن هزيمة مودي لن تكون سهلة ولكن قانون الجنسية الجديد أثار اهتمام الهند بأخطار ربما تهدد قيم دستورها وسوف يكون الطريق الى حماية تلك القيم طويلا وشاقا وحافلا بالنزاعات والكثير من الهنود يقولون اليوم «هذا يكفي «.*براتاب بهانو مهتا