نظراً إلى القوة الاقتصادية والعسكرية التي اكتسبتها الصين حديثاً، يصعب أن تنجح الهند في مقاومة الضغوط الصينية المفروضة على نظام حكمها أو الحفاظ على نمط حياتها الاعتيادي، وقد تطرح الهند بنظر الصين تحدياً مباشراً على تفوّق نظام الحزب الواحد فيها، فتتحول مستقبلاً إلى خصم سياسي محتمل في المنطقة وتفكر بكين في ضرورة كبحها في أسرع وقت ممكن.

ونظراً إلى النمو المتوقع للبحرية الصينية في السنوات المقبلة، يستحيل على الهند وحدها أن تحافظ على توازن القوى في المنطقة وأن تحمي المحيط الهندي من الهيمنة الصينية، ومن دون محيط هندي حر ومفتوح، لن يكون مستقبل الهند مضموناً.

Ad

أمام تكامل الأنظمة الاقتصادية الإقليمية مع الاقتصاد الصيني ككل، يستحيل على الهند عموماً أن تطبّق اقتصاد السوق الحر والمنفتح وتتابع التجارة مع بلدان آسيا والمحيط الهادئ كما في السابق، لأن المنتجات الصينية التي تتراجع كلفة إنتاجها قد تتسلل إلى السوق الهندي بطريقة غير مباشرة، عن طريق بلدان ثالثة، وتشلّ الاقتصاد المحلي، كذلك، قد يتعرض الاقتصاد الهندي لركود شديد في ظل النظام الاقتصادي الذي يقدم مصالح الصين في المنطقة.

أخيراً، يرتفع احتمال ألا يبقى أي أصدقاء أو شركاء للهند في منطقة آسيا والمحيط الهادئ الخاضعة لسيطرة الصين، ونظراً إلى عمق الاختراق الصيني للجوار الهندي، قد لا تتمكن البلدان الأصغر حجماً في المنطقة من مقاومة الحوافز والضغوط الاقتصادية الصينية، ما يطرح عواقب سياسية خطيرة على الهند والمنطقة كلها. باختصار، قد تجد الهند نفسها وحيدة في مهب الريح.

هل من مخرج؟

نظراً إلى خطورة الوضع، تحتاج الهند إلى استراتيجية شاملة تخدم مصلحتها الوطنية في المنطقة؛ في المقام الأول، يتعين على صانعي السياسة الهنود أن يتخلوا عن إنكار الواقع ويتقبلوا الحقائق الراهنة، وعليهم أن يعترفوا بوجود أوجه قصور خطيرة في طريقة تعاملهم الحالية مع الصين، فهم يحاولون مصادقة الصين استناداً إلى «روحية ووهان» (أي محاولات التقارب التي بدأت خلال أول قمة رسمية بين الصين والهند في مدينة «ووهان» الصينية)، ويسعون إلى طمأنة الأطراف المعنية عبر استراتيجية خاصة بالمحيطَين الهندي والهادئ. لكن تبدو هاتان الطريقتان غير نافعتين ومحكومتَين بالفشل اليوم.

تحتاج الهند إلى تصحيح مسارها، ويقف البلد الآن أمام خيارين؛ إذ تستطيع الهند أن تتابع سياسة المشاركة المُخففة التي تطبّقها راهناً، فتسمح للصين بالسيطرة على المنطقة كلها، وتستعد تدريجياً لمغادرة آسيا والمحيط الهادئ بالكامل وتترك كامل المنطقة حينها في قبضة الصين، أو تستطيع الهند أن تفرض نفسها بقوة، فتندمج مع المقاطعات الإقليمية ثم تتعامل مع الصين على أساس تلك القوة.

في الوقت نفسه تحاول الصين راهناً فرض نفسها في مختلف أجزاء آسيا، دون أن تملك الهند خيارات كثيرة على ما يبدو. في ظل هذا الوضع، قد يكون الانسحاب من المنطقة خياراً انتحارياً ومؤذياً للهند، وسيكون تعميق التكامل الحل الوحيد أمامها كي تصمد في آسيا الخاضعة لسيطرة الصين.

تبدو سياسة «التحرك شرقاً» في الهند اليوم متأخرة بدرجة معينة، وعلى عكس هذه السياسة التي تبقى عامة بطبيعتها وتُركّز بشكلٍ أساسي على التعاون الاقتصادي، تقضي أفضل خطة للمضي قدماً بعقد شراكة خاصة ووضع استراتيجية تكامل مبنية على حاجات ذلك البلد الشريك من الناحيتَين الاستراتيجية والاقتصادية. نستطيع أن نسمّي هذه المقاربة الهندية الجديدة «سياسة التكامل شرقاً».

النموذج الكوري

لتطبيق «سياسة التكامل شرقاً»، تستطيع الهند أن تبدأ بالتركيز على شبه الجزيرة الكورية التي بدأت تتحول إلى محور لصراع القوة بين الصين والولايات المتحدة وأصبحت نقطة جغرافية أساسية في خطة الصين التوسعية في المنطقة، على صعيد آخر، تقدم كوريا الجنوبية سيناريو مثالياً للهند كي تفهم معنى تعميق التكامل مع منطقة آسيا والمحيط الهادئ والتدابير اللازمة لتطبيقه.

يتعرض التحالف الأمني القائم بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية راهناً لضغوط شديدة، حتى أنه قد ينهار بالكامل خلال السنوات المقبلة ما لم تُفرَض التدابير اللازمة في الوقت المناسب. تبدو كوريا الجنوبية في أمسّ الحاجة إلى الدعم للصمود كبلد سيّد ومستقل في حقبة ما بعد النفوذ الأميركي. لكن للأسف، فشل صانعو السياسة الهندية في رؤية أي دور للهند في تعزيز إمكانات كوريا الجنوبية. وبسبب هذا الإهمال، بقيت «الشراكة الاستراتيجية الخاصة» المزعومة بين الهند وسيول مجرّد حبر على ورق. يتعين على الهند أن تتقدم وتبدي استعدادها لمساعدة كوريا الجنوبية على بناء قدراتها، كي تتمكن سيول من الحفاظ على تماسكها في حقبة ما بعد النفوذ الأميركي وتقاوم الضغوط التي تفرضها الجهات الإقليمية المزعجة.

يطرح السلام مشكلة كبرى في شبه الجزيرة الكورية، إذ يبدو أن عملية السلام التي أطلقها رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن وصلت إلى طريق مسدود، ومن المتوقع أن تُخيّم سحابة الحرب النووية قريباً فوق شبه الجزيرة الكورية مجدداً. فشلت الهند هذه المرة أيضاً في إطلاق أي مبادرات لمنع وقوع كارثة نووية، ويبدو أن الدبلوماسيين الهنود ليسوا مقتنعين بضرورة أن يشاركوا في بناء السلام، وهذا الوضع يجب أن يتغير!

تُعتبر إعادة توحيد كوريا مسألة محورية بالنسبة إلى الشعب الكوري. صحيح أن الهند أدت دوراً ناشطاً خلال المفاوضات والتسويات المرتبطة بالحرب الكورية وبعدها، لكن أصبح الدور الهندي في مسار إعادة توحيد البلد شبه معدوم اليوم. يتعين على الهند أن تبذل قصارى جهدها لتوحيد كوريا في أسرع وقت ممكن، وفق تركيبة ديمقراطية معينة، كي لا تتوحد شبه الجزيرة الكورية تحت حكم نظام توتاليتاري في المرحلة اللاحقة، لا شك في أن أي نسخة ديمقراطية وموحدة من كوريا ستصبّ في مصلحة الهند على جميع المستويات.

في الوقت الراهن، يبدو اقتصاد كوريا الجنوبية في وضع سيئ ويتجه نحو انهيار حاد، وستصبح كوريا الجنوبية الضعيفة اقتصادياً أكثر عرضة لضغوط القوى الإقليمية. ورغم التوقيع على اتفاقية «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة» بين الهند وكوريا الجنوبية، لا تزال الروابط الاقتصادية الثنائية في أدنى مستوياتها، كذلك، تشهد التجارة تقدماً بطيئاً. وأمام معدل النمو هذا، لن يتحقق الهدف التجاري الذي تبلغ قيمته 50 مليار دولار مجدداً. لا تزال المفاوضات اللامتناهية لتحسين «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة» مستمرة، لكن من الواضح أن الدبلوماسيين الهنود في سيول لم يفهموا التداعيات الاستراتيجية المترتبة عن إضعاف الروابط الاقتصادية بين الهند وكوريا. على الهند أن تساعد كوريا الجنوبية قدر الإمكان لتقوية نقاط ضعفها الاقتصادية وتجنب الابتزاز الاقتصادي من جانب القوة الخارقة الناشئة حديثاً. يمكن اعتبار كوريا الجنوبية دراسة حالة لمشكلة أوسع، ولن تنجح الهند في ترسيخ حضورها وحث الدول المجاورة على حمايتها من الضغوط الصينية إلا عبر المشاركة في مسائل استراتيجية واقتصادية محورية في البلدان الإقليمية، ومن دون دعم محلي واستعداد الدول المجاورة للترحيب بالوجود الهندي، لن تحصل الهند على أي فرصة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ الخاضعة لسيطرة الصين.

باختصار، يصرّ صانعو السياسة والدبلوماسيون الهنود راهناً على حصر تركيزهم في مسائل بسيطة، لكنّ هذا الموقف مضيعة للوقت، قد يتبين في المستقبل القريب أن هذه المقاربة مدمّرة للبلد، لذا من واجب الهند أن تُركّز على المشهد العام وتندمج مع منطقة آسيا والمحيط الهادئ بدرجة غير مسبوقة.

* لكفيندر سينغ