في مطلع عام 2012 نشرت مقالاً بعنوان «2020 إنّي أخشاك!» استعرضت فيه أبرز الأحداث الكبرى التي عصفت بمنطقتنا في مطلع كل عقد سبق، محذراً فيه مما قد يجره علينا العقد القادم.فمن سلسلة الانقلابات العسكرية التي تلت احتلال فلسطين أواخر أربعينيات القرن المنصرم، إلى ما تلاها من هزائم كبرى، إلى «أيلول الأسود» والحرب الأهلية اللبنانية في مطلع السبعينيات، الى الحرب «العراقية-الإيرانية» في مطلع 1980، إلى الغزو «الصدامي» للكويت عام 1990، مروراً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وصولاً إلى ما سمي «الربيع العربي» في بدايات العقد الثاني من هذا القرن، تترقب منطقتنا القادم مع إشراقة عام 2020.
خلال العقد المنصرم عاشت شعوبنا كل أنواع الأزمات؛ من تغيير في الخريطة السياسية، إلى ألوان القمع والتدهور الاجتماعي، إلى الحروب والهزائم، إلى النزاعات الداخلية، إلى الصراع السياسي- الديني، وكل ذلك عنوانه العريض هو «الانهيار الحضاري والقيمي». المعادلة الحاكمة بسيطة لكنها مميتة: فشل عربي مزمن بمواجهة غرب ينجح حيناً بافتعال الأحداث وبث سموم التفرقة، ويتفوق غالباً بركوب موجات تناقضاتنا وانتفاضاتنا.المطلوب دوماً لمنطقتنا أن تعيش في حالة «اللااستقرار واللا إنهيار»؛ فالاستقرار الكلي يخيفهم وقد يقوّينا، والانهيار الكلي قد يفتح عليهم شرور التناقضات الطائفية والاجتماعية والطبقية. والتحكم في خيط واحد لتحريك الدمية أسهل بكثير من التحكم بعشرات الخيوط!لماذا خشيت من عام 2020؟ لأن المستجد الأبرز من «الخريف العربي» هو وصول التيارات الإسلامية التي تسلمت سدة الحكم دون خبرة وبعد عقود من القمع والملاحقة والعزل السياسي. وقد كان سهلاً بمنطق الأمور توقع فشلها الذاتي أو ربما المخطط له. لم تكن أحداث سورية قد تجلّت ملامحها بتاريخ كتابة مقالي السابق، ولم يكن «داعش» قد مُكِّن من السيطرة المباشرة على أقسام من دولتين عربيتين، ولم يكن الصراع السني-الشيعي قد كشّر عن أنيابه بالضراوة التي نعيشها اليوم، ولم تكن «حرب اليمن» قد أنهكتنا، ولم تكن مصر قد انتهى الأمر فيها الى ما هو عليه الآن، ولم يكن السودان الذي أصبح «سودانان» قد انكفأ عن المشهد كليّاً، ولم تكن ليبيا قد تحولت الى حلبة صراع قبلي ودولي، ولم يكن لبنان قد دخل مرحلة الانهيار الاقتصادي، ولم يكن الخليج العربي قد بدأ يعاني تذبذب أسعار النفط وشروخا في أواصره.في المشهد الدولي والإقليمي يتزامن الانكفاء الأوروبي مع صعود لافت لروسيا «البوتينية» ووضوح غير مسبوق للسياسة الأميركية التي يقودها تاجر ماهر ومغامر! إيران التي تعادي الغرب علناً، أرادها أعداؤها أن تبقى «أسداً من ورق» يخيف جيرانه. العقد القادم، قد يكون عام الانهيارات الاقتصادية التي بدأت ملامحها تظهر في لبنان الذي يعكس كل تناقضات الشرق الأوسط، ويتأثر ويؤثر بالمباشر على أوضاع دوله. كما أنه سيكون منطلق الحديث عن «قاعدة» أخرى أو «داعش» آخر وحالات فوضى جديدة، ولكن هذه المرة بطابع مختلف وبأهداف مختلفة؛ عنوانها الاجتماعي انتفاضات داخلية على الفقر غير المسبوق، غلافها الديني «الصراع السني-الشيعي»، محتواها السياسي تغيير متوقع لبعض الأنظمة المهترئة أو العاجزة، وقاعدتها الثابتة استقرار الكيان المحتل والتحكم بمصادر الطاقة.
مقالات
2020 ... ماذا بعد!؟
29-12-2019