إيران التي ترتبط بدول الخليج العربية بعلاقات تاريخية ودينية وتجارية واجتماعية وثقافية، وتشاطرها الإطلالة على مياه الخليج العربي الذي تطلق عليه إيران الخليج الفارسي وتسمية البحار، لا يمكنها أن تؤثر في العلاقات بين الدول وبين الشعوب، لأن الأسماء تتغير بمرور الزمن والتاريخ مثل النهر الجاري، ففي فترة زمنية من التاريخ كانت ضفتا الخليج تسكنهما قبائل عربية، ومنهم القواسم وغيرهم، ولذلك سمي «الخليج العربي»، والتسمية يجب ألا تكون عائقاً لتطور العلاقات بين إيران وجيرانها العرب، فالبحر الأحمر كان يسمى قديما «بحر القلزم» والبحر الأبيض المتوسط كان يسمى «بحر الظلمات»، وغيرها من الأسماء، ولنأخذ مثالاً على أن التسمية لا تؤثر في العلاقات بين الدول، هناك بحر يفصل إنكلترا عن جارتها فرنسا يسمية الإنكليز «القنال الإنكليزي» ويسميه الفرنسيون «لومانش»، وكل دوله يحق لها أن تسمي ما تشاء، وهذا لا يؤثر في العلاقات بين الدول. كانت هناك هجرات متبادلة بين ضفتي الخليج العربي خلقت شعوبا متجانسة، متقاربة، متعاونة وقوت العلاقات بينهما على مر السنين.
العلاقة بين النظام الجديد وجيرانه كان لابد من هذه المقدمة لأتحدث عن العلاقة بين إيران وجيرانها في الوقت الحاضر، ولماذا تغيرت السياسة الخارجية تجاه دول الخليج، وكذلك علاقتها بالعالم، فقد استمرت العلاقات التاريخية الجيدة بين إيران وجيرانها العرب، أحيانا تعترضها بعض المشاكل، ففي عهد الشاه تم احتلال الجزر التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة قبل استقلالها، وبعد سقوط نظام الشاه وقيام الثورة الإيرانية بقيادة السيد الخميني استبشر الشعب الإيراني خيراً بأن النظام الجديد سيكون أفضل من السابق، خصوصا التخلص من تسلط جهاز الاستخبارات الإيراني (السافاك) على الشعب الإيراني، وهذا شأن إيراني داخلي، ما يهمنا هو العلاقة بين النظام الجديد وجيرانه ومنهم دول مجلس التعاون الخليجي. بعد قيام الثورة عام 1979 تم الترحيب بهذا التغيير، وكانت الكويت من أولى الدول التي رحبت بالنظام الجديد باعتباره شأناً داخلياً، فزار الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وزير الخارجية في ذلك الوقت على رأس وفد رسمي إيران للتهنئة بالنظام الجديد، وكانت الكويت أول دولة خليجية تعترف بهذا النظام، وكان الشيخ صباح أول مسؤول عربي يزور إيران بعد الثورة، وأعرب في لقائه مع الخميني والمسؤولين الإيرانيين عن أن الدول الخليجية تمد يدها إلى الجارة إيران، وأن دول الخليج تريد علاقات جيدة مع الجارة إيران في جميع المجالات قائمة على حسن الجوار، وتستند إلى احترام المواثيق الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد، واحترام سيادة واستقلال كل دوله. تصدير الثورةبعد فترة من قيام الثورة الإيرانية واستقرار الوضع في إيران، أخذ النظام الجديد بانتهاج سياسة مغايرة لما أبدته دول الخليج من مد يد التعاون والاحترام المتبادل بين الدول، فانتهجت إيران سياسة تصدير الثورة ومبادئها الى العالم الخارجي، بدأت بالدول العربية وأولها كانت دول الخليج العربية الأقرب جغرافيا لها الصغيرة المساحة والقليلة السكان مقارنة مع إيران، ثم امتدت مساحة تصدير مبادئ الثورة الإيرانية لتشمل الدول العربية وبعدها الدول الآسيوية والإفريقية المسلمة. استفاد نظام الملالي في إيران من الثروة التي تملكها إيران والقوة العسكرية التي ورثها النظام الجديد من نظام الشاه، وهذه الوسائل التي تملكها إيران ساعدتها في التدخل بالشؤون الداخلية للدول، وأنشأت لها خلايا بغرض زعزعة أنظمة الحكم في تلك الدول. في عام1980 دخلت منطقة الخليج في حالة عدم استقرار وتوتر عندما قامت الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثمانية أعوام، راح ضحية هذه الحرب المدمرة بين الجارتين أكثر من مليون بين قتيل وجريح، وما خلفته الحرب من تدمير للبنية الأساسية للبلدين، وما نتج عنه من تأثر الاقتصاد لكل طرف، وهذه الحرب المدمرة نتج عنها حالة ذعر وعدم استقرار في منطقة الخليج العربي انعكس على تهديد لمصالح الدول الخليجية وكذلك العالمية التي تستورد النفط من الخليج. بالنسبة إلى الكويت أيضا تأثرت مصالحها من هذه الحرب التي طالت ناقلات النفط الكويتية، مما اضطر الكويت لرفع أعلام الدول الكبرى على بواخرها كي تتجنب استهدافها، ولم تقتصر آثار الحرب على استهداف البواخر، بل تعداه إلى استهداف الكويت بالصواريخ.سياسة متضاربة الملاحظ للسياسة الإيرانية يجد أن اتخاذ القرارات تتوزع على أكثر من جهة، فبعض أصحاب القرار يصرح علانية بأن إيران تريد العيش بسلام مع جيرانها وتمد لهم يد التعاون، وفي الوقت نفسه يصرح فريق آخر علانية بأن إيران تريد أن تنشر مبادئ الثورة الإيرانية في المنطقة، وأن تكون لإيران موطئ قدم في تلك الدول. السياسة الخارجية لإيران متضاربة فالصقور لهم كلمتهم المتشددة في حين يستخدم الحمائم لغة مختلفة عن الأولى، وهذا ما حدث مع مرور السنوات من عمر الثورة الإيرانية، فالتدخل الإيراني واضح في كثير من الحالات، فنجد على سبيل المثال في لبنان حزبا مواليا لإيران وينفذ سياستها في الساحة اللبنانية، وقد استقوى الحزب بإيران لمساندتها له بالأموال والدعم بمختلف أنواعه، وأصبح هذا الحزب رقما أساسياً في الساحة السياسية اللبنانية. وفي العراق وبعد سقوط نظام صدام حسين دخلت إيران إلى الساحة السياسية العراقية، وسيطرت عليها وكانت لها اليد الطولى في الشأن العراقي، وهذا ما شهدته الأحداث الأخيرة في العراق من مظاهرات واحتجاجات على الوضع الداخلي، وكذلك أدانت التدخل الإيراني في الشأن العراقي. ولم تسلم مملكة البحرين من التدخل الإيراني في شؤونها الداخلية، وأخذت تحرض الجماعات الموالية لها بغرض زعزعة الأمن وإسقاط النظام، وفي الشأن السوري كان التدخل الإيراني واضحا فما حدث في سورية منذ أكثر من ٦ سنوات من حرب مدمرة راح ضحيتها مئات الآلاف من السوريين بين قتيل وجريح ومهجر، فان إيران بعكس ما تدعيه بانها لا تدخل في الشئون الداخلية للدول، فإن تدخلها واضح ليس بالدعم المالي أو الفكري والسياسي فقط، بل الدعم العسكري والتدخل عسكريا على الأرض، اليمن هو الآخر لم يسلم من التدخل الإيراني في شؤونه الداخلية بدعمه للحوثيين، فاليمن أصلا كانت ظروفه صعبة فكانت الحرب التي خلفت الضحايا من ابناء الشعب اليمني، فنجد أصابع التدخل الإيراني في المسألة اليمنية. كل هذه الأمثلة للتدخل الإيراني في الشأن الداخلي العربي يناقض ما يصرح به بعض المسؤولين الإيرانيين بأنهم يريدون علاقات جيدة مع جيرانهم، وبأنها لا تتدخل في شؤونهم الداخلية، وامتد طموح إيران لنشر مبادئ ثورتها إلى خارج نطاق الوطن العربي، فشملت القارة الآسيوية والإفريقية وأجزاء من أميركا اللاتينية. وأخذت إيران تنشر أفكار الثورة الإيرانية بواسطة المنح الدراسية للطلبة في تلك الدول الدراسة في المعاهد الدينية في المدن الإيرانية، وبدأت إنشاء علاقات لترسيخ أقدامها في الدول الإسلامية بالدرجة الأولى، وتجنيد عدد من أبناء الدول الإسلامية الذين من الممكن أن يحملوا أفكار الثورة الإيرانية ونشرها في بلادهم. بعد فترة تنبه المسؤولون في تلك الدول للمخطط الإيراني، وتشددت في منح التأشيرات للإيرانيين، وكذلك منع طلبتها من الذهاب للمراكز الدينية الإيرانية، واعتبرت ذلك نوعاً من أنواع التدخل في شؤونها الداخلية. كل هذه الأنشطة الإيرانية من مالية وثقافية وفكرية وعسكرية بهدف نشر أفكار ومبادئ الثورة الإيرانية جعلت العالم ينظر إلى إيران بأنها تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وبأنها دولة لا تلتزم بالمواثيق الدولية، وبأنها تشكل خطرا على الأمن والسلم العالميين، كما أن إيران ولتعزيز قوتها لتصبح دولة كبرى في المنطقة طورت قدراتها في المجال النووي، فإذا كان هذا النشاط لاستخدام الطاقة الذرية في المجال السلمي فهو من حقها، بالتعاون مع وكالة الطاقة الذرية، وبعد اكتشاف المفتشين الدوليين أنها لجأت لاستخدام مفاعلاتها لأغراض عسكرية، فرضت عليها القيود بما يتماشى مع لوائح الوكالة الدولية. وأثار النشاط النووي الإيراني قلق الدول المجاورة لإيران وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك الدول الأخرى في العالم، وحدثت مشاكل بين إيران وبين الوكالة الدولية للطاقة النووية، وتدخلت الدول الكبرى ذات العضوية الدائرة في هذا الموضوع لأنه أصبح شأنا عالمياً، وبدأت المفاوضات بشأن النشاط النووي الإيراني، ووقع اتفاق بين إيران ومجموعة (٥ زائد ١) لمراقبة الملف النووي الإيراني بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة النووية. اتهمت الدول الموقعة على الاتفاق بأن إيران لم تلتزم به ودخلت في خلاف معها، وكان الخلاف أشد مع الولايات المتحدة الأميركية التي ألغت الاتفاق، ونتج عنه مقاطعة اقتصادية ضد إيران، وفرض حصار عليها، وتبعتها كثير من الدول. كان لنتيجة المقاطعة والحصار أثر كبير على الاقتصاد الإيراني، خاصة عدم السماح بتصدير النفط الإيراني، وفرض قيود وعقوبات على الدول كي لا تتعامل مع إيران. هذه الإجراءات والمقاطعة كان لها انعكاس على الاقتصاد الإيراني، وكان له تأثير على المواطن الإيراني الذي يرى أن ثروة بلاده تصرف خارج إيران ولا يستفيد منها المواطن الإيراني الذي يعاني سوء حياته المعيشية وسوء الأحوال الاقتصادية. وقد خلق الوضع الاقتصادي في إيران عدم رضا داخل الأوساط الشعبية الإيرانية، وما نتج عنه من احتجاجات واضطرابات اجتاحت المدن الإيرانية بما فيها العاصمة طهران، ورافق ذلك تدهور العملة الإيرانية وتردي الأحوال الاقتصادية، بالإضافة إلى المقاطعة وعدم السماح بتصدير النفط الإيراني للخارج والحصار المفروض على إيران، كل ذلك أثر في إيران اقتصاديا وسياسيا، فهل هناك حل لإصلاح علاقة إيران مع جيرانها ودول العالم؟الجواب في الجزء الثاني من المقال.
مقالات
إيران من الخارج (1-2)
29-12-2019