جونسون لم يحقق فوزاً ساحقاً كما يظن!
من المتوقع أن يواجه رئيس الحكومة البريطاني مصاعب كبرى عند طرح قانون الرعاية الصحية والاجتماعية، رغم حصده أغلبية واسعة.أقسم برلمان 2019 اليمين ورحّب بوريس جونسون بوجوه جديدة من النواب المحافظين في البرلمان، في حين تكثر التسريبات عن إعادة تنظيم وشيكة للحكومة البريطانية، فخلال أول 46 يوماً من عهد الحكومة، من المنتظر أيضاً أن يتم الاتفاق على الانسحاب بموجب خطة "بريكست" وعلى إقرار قانون الرعاية الصحية، مما يُرسّخ الالتزام بإنفاق 34 مليار جنيه إسترليني إضافي على الخدمة الصحية الوطنية بحلول عام 2024.تعكس هذه الأجندة مسألتَين: أولاً، اتضحت الضرورات السياسية اللازمة لتنفيذ وعد جونسون بحل ملف "بريكست" والانتقال إلى مسائل أخرى؛ ثانياً، ثمة التزام فكري بإصلاح الحكومة، أي الامتناع موقتاً عن سماع توصيات دومينيك كامينغز، فضلاً عن تقييم طريقة جونسون في إدارة دار البلدية، حيث اتكل على مجموعة صغيرة من الإداريين الخارقين لمتابعة تنفيذ خططه.
لكن هل يمكن تنفيذ تلك الخطط فعلاً؟ بما أن الحكومة حصدت أغلبية من 80 مقعداً، يمكن القول بكل ثقة إن بريطانيا ستغادر الاتحاد الأوروبي قبل 31 يناير وسيعاد تنظيم الحكومة البريطانية، مع أن التفاصيل المسرّبة تكشف عن محاولات لإصلاح طريقة تيريزا ماي الفاشلة في إعادة التنظيم ولا تشير إلى حصول ثورة حقيقية. لكن هل يمكن تنفيذ جزء آخر وأهم من "إتمام عملية بريكست" بعيداً عن وسائل الإعلام خلال السنوات الخمس المقبلة؟ وهل سيحقق المبلغ النقدي الإضافي (34 مليار جنيه استرليني) تحسناً بارزاً في أداء الخدمات الصحية، مع الإصرار على تخفيض تمويل الحكومة المحلية ومتابعة الضغط في مجال الرعاية الاجتماعية للبالغين (تزامناً مع تخفيض التأمين الوطني والحفاظ على ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل أو تخفيضهما في البرلمان المقبل وتقليص الدين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي)؟ يجب ألا ننسى أن الفوز الذي يتكلم عنه الصحافيون والنقاد باستمرار لم يكن "ساحقاً" كما يُقال، بل عكست النتيجة هزيمة ساحقة لحزب "العمال"، كتلك التي واجهها المحافظون في انتخابات 2005. في المقابل، لا تشير الأغلبية الشاملة التي كسبها المحافظون وأعداد المقاعد التي فازوا بها إلى أي نتيجة ساحقة، هذا هو الواقع حتى لو ربطنا الفوز الساحق بعدد المكاسب في الدوائر الانتخابية (على غرار ما حققه كليمنت أتلي وتوني بلير وديفيد كاميرون في 2010) أو بحجم الأغلبية (كتلك التي كسبها أتلي وبلير ومارغريت ثاتشر).عملياً، يدخل فوز جونسون في خانة الأغلبية الكبيرة الكافية التي حصدها أنطوني إيدن وهارولد ماكميلان وهارولد ويلسون عام 1966، وبلير بعد 2005. لم تكن ثاتشر ولا بلير محصنَين طبعاً ضد الانتكاسات السياسية رغم حصدهما أغلبية ساحقة (كان البرلمان الفائز بأغلبية كبرى في 1987 هو الذي أقال ثاتشر بسبب ضريبة الرؤوس)، واضطرت حكومات إيدن وماكميلان وويلسون وبلير في أواخر عهده للانسحاب على خلفية عدد من المسائل الشائكة.لهذا السبب بالذات، قد يكون قانون الرعاية الصحية الذي تفرضه الحكومة دراماتيكياً أكثر مما نتوقع، وقد يشكّل بداية متعثرة لولاية جونسون الثانية. يأسف عدد كبير من المحافظين لأن قانون الرعاية الصحية والاجتماعية أنتج خدمة صحية وطنية خارجة عن سيطرتهم المباشرة، علماً أن البرنامجَين يتطلبان تمويلاً إضافياً وقرارات كبرى حول طريقة إنفاق المال. لن نتفاجأ إذا شمل قانون الرعاية الصحية الجديد محاولات لإعادة تنظيم القانون وتوسيع صلاحيات وزير الصحة في قطاع الخدمات الصحية. في نهاية المطاف، قد يشكّل استئناف ذلك القانون، رغم حصد أغلبية بثمانين مقعداً، حدثاً سياسياً قوياً بما يفوق التوقعات.* «ستيفن بوش »