ينسج من أنغام العود بساطا ليسير فوقه عابرا كل الحدود، ومتخطيا حواجز الزمان والمكان وفروق الثقافات واللغات، أحمد الشيبة مبدع يمني استطاع بناء جسر بين الثقافات، عبر مزجه بين الألحان الشرقية والغربية بأسلوب متفرد.ويستمتع الشيبة بتجربة عزف الموسيقى الغربية على آلة العود، رغبة منه في إظهار جمالية العود وإمكانية توظيفه لعزف أي لون موسيقي دون حصره في فنون الشرق الأوسط، حيث يعتقد اعتقادا راسخا بأن جميع الآلات الموسيقية، على اختلافاتها، قادرة على الوصول إلى العالم وإظهار نواحيها الجميلة دون التقيد بخلفيتها الثقافية، لذلك استطاع الشيبة أن يستميل الجمهور في شتى أنحاء الوطن العربي، وأن يصل بموسيقاه الى قلوب الجمهور الغربي.
ولعل تكوينه الثقافي بين نشأته في اليمن وحياته في الولايات المتحدة كان له الفضل في تنامي هذا الشغف بداخله، ورغم أنه لا يمتلك مهارة قراءة النوتات الموسيقية فإنه علم نفسه الموسيقى سماعيا وتميز بها، وكان ظهوره الأول مع العود عام 2007، وبعد مشاركته في اليوم الوطني للمرأة عام 2009 تلقى العديد من الدعوات للمشاركة في الفعاليات الموسيقية باليمن مما ساهم في اتساع شهرته.
10 مقطوعات
واحتفى الشيبة مساء الجمعة بألبومه الجديد "مالاهايد"، ضمن الموسم الثقافي لمركز الشيخ جابر الأحمد، حيث التقى جمهوره في قاعة الشيخ جابر العلي خلال حفل امتد ساعتين تقريبا، مر كحلم ليلة صيف على عشاق الموسيقى الشرقية والانغام الغربية.وقدم الشيبة وفرقته الموسيقية ألبومه الجديد المؤلف من 10 مقطوعات موسيقية متنوعة، وتتكون فرقة المبدع اليمني من مجموعة عازفين على درجة كبيرة من الاحترافية، وكان واضحا مدى انسجامهم وتناغم أدائهم، وتتكون الفرقة من براين آدلر على الطبول والطار، وشانيير بلمنكرانز عازف غيتار البيس، وطارق يماني عازف البيانو والأورغ، وعلى الكلارينييت صلاح الدين ممدوسكي، وعازف القانون تامر بينارباسي.لغة الحوار
وبدا الشيبة هادئا يجيد لغة الحوار مع الجمهور، ويحرص على أن ينقل لهم عصارة أفكاره عبر بضع جمل يشرح من خلالها ما يدور في خلده، وكان مبتسما يداعب الحضور ويتحدث بعفوية وتلقائية.وفي تمام الثامنة استقبل رواد مركز جابر الشيبة وفرقته الموسيقية بعاصفة من التصفيق، قبل أن يشرع مباشرة في عزف أولى المقطوعات من ألبومه الجديد وهي "ليالي عربية"، قبل أن يرحب بكل من حضر ويعرفهم على أعضاء فرقته.وقال: "اعتدنا نسمع العود الطربي والقانون أيضا، في توثيق هذه الآلات هناك ألوان مختلفة، مما يساعدنا في التعرف عليه بشكل أفضل، ولعل السؤال الذي يطرح نفسه دائما هل الموسيقى العربية تنطوي على لون واحد أم أن هناك أنماطا أخرى، وإذا كانت الأجيال السابقة نقلت لنا تراثا ثريا هل نستثمره ونطوره أم نغلق على أنفسنا؟".واردف: "من خلال ألبومي الجديد حاولت أن أضع إجابات على هذه الأسئلة من وحي ما قدمته من أعمال ذات ألوان مختلفة"، ثم عزف الشيبة بمعية القانون والطار مقطوعة "محاورة من الزمن القديم"، وهي ذات طابع شرقي بحت.اسم قلعة
وانتقل الفنان اليمني إلى مقطوعة "مالاهايد"، التي يحمل الألبوم اسمها، وقال: "مالاهايد اسم قلعة في أيرلندا كنت أتمنى زيارتها، وعندما حصلت على فيزا لأوروبا اعتقدت أن أيرلندا من ضمن الدول المسموح دخولها بها، لكن اتضح لي عكس ذلك، لذلك ألفت مقطوعة عن قلعة لم أزرها". أما اختيار الشيبة الرابع فكان من خلال مقطوعة "شغف"، التي قدمها بالعزف على العود بمعية الطار، وقال عنها: "جاء عزف شغف بآلتين فقط، لاسيما أن هناك ثقافة سائدة، وهي استعراض كل آلة، على سبيل المثال ما نعرفه عن العود أنه يكون خلف أو بجانب المطرب دائما، لكن أن يتصدر العود المشهد فإن ذلك يمنح الفرصة أمام العازف ليستعرض موهبته، وكثيرا ما كنت اسأل عازفين مبدعين عن سر عدم ظهورهم على المسرح، فيبرروا ذلك بعدم امتلاك صوت جيد، أعتقد أنه ليس من الضرورة أن يملك العازف صوتا جيدا ليقدم موسيقاه للجمهور".التنويع
وبعد استراحة قصيرة عاد الشيبة بمعية فرقته ليعزفوا مجموعة مميزة من المقطوعات، وكان جليا حرص الفنان اليمني على التنوع فيما يقدم من أعمال، فكان الجمهور على موعد مع "صانع الأحلام" التي لاقت الاستحسان، ثم "فيما مضى"، واعقبها بـ"في غيابهم"، واستمر في النهل من بحر التراث واللعب على وتر المشاعر والاحاسيس فعزف "توق" وأخيرا "دعها ترقص". ويحظى الشاب أحمد الشيبة باهتمام وتقدير كبيرين على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر عزفه على أوتار العود ألحانا مأثورة، ومن أشهر المقاطع المصورة له وهو يعزف على آلة العود فيديو بعنوان "رحلتي حول العالم العربي"، يظهر فيه وهو يعزف مقطوعات لأغان من العديد من الدول العربية.ولا يترك الشيبة مناسبة إلا ويحاول أن يستخدم لغته الموسيقية للاحتفال بها، حيث ينتظر متابعوه على مواقع التواصل الاجتماعي عزفه بفارغ الصبر، ويتفاعلون مع مقاطع الفيديو التي ينشرها بانتظام.التخت الشرقي
وقال أحمد إنه كان يعتقد في البداية أن آلة العود لا تتماشى إلا مع التخت الشرقي، لكن مع التجارب التي خاضها اكتشف أن العود يتماشى مع كل الآلات الموسيقية سواء كانت شرقية أو غربية.وولد أحمد، الذي يقيم في نيويورك، في اليمن، وقال إنه تعلم العزف على العود بجهوده الفردية، لعدم وجود مدرسة لتعليم الموسيقى في بلاده.وأضاف أن رحلته مع الموسيقى هي تجربة ورسالة مهمة يريد إيصالها إلى الآخرين، فهو لم يجد من يعلمه العزف في بلاده اليمن، لكنه استطاع أن يكون عصامي التكوين في مجال الموسيقى، حتى يتمكن من إحياء التراث العربي وإيصاله إلى العالم عن طريق آلة العود التي مدت له جسر التواصل مع الموسيقى الغربية.أول أمسية
كشف الفنان أحمد الشيبة أنه قدم أول أمسية غنائية له عام 2007، وأخرى في مصر التي بقي فيها عاما واحدا، لينتقل بعدها إلى الولايات المتحدة في 2012، مبينا أنه بدأ تحميل مقاطع فيديو على "يوتيوب" لتعليم العزف على العود، بعد انتقاله إلى الولايات المتحدة.وحمّل أيضا مقاطع عزفه على العود، التي تشمل ألحانا لأفلام، وموسيقى تلقى رواجا كبيرا في الغرب، ويحظى بمتابعة واسعة لأعماله الفنية المميزة على حسابه في "يوتيوب" تمتد من ألمانيا حتى البرازيل.