عجز استهداف السفن على بوابة الخليج، وإسقاط أغلى وأحدث طائرة مسيرة، والهجوم على شركة «أرامكو»، في فرض مواجهة أميركية - إيرانية، إلا أن دماء متعاقد أميركي سقط بهجوم صاروخي على قاعدة «كي وان» في كركوك كسرت المحرم، ودفعت إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى أكبر تصعيد شبه مباشر ضد إيران في العراق.

الهجمات التي شنتها مقاتلات أميركية وأسقطت عشرات الإيرانيين وقادة وعناصر من الميليشيات العراقية الموالية لطهران، أدخلت المنطقة في جولة جديدة من التوتر لا أحد يمكنه توقع كيف ستتطور.

Ad

القصف الأميركي، الذي استهدف كتائب «حزب الله العراق»، الفصيل الأكثر ارتباطاً بطهران، وقع في لحظة فارقة، تعيش فيها بغداد أزمة سياسية هي الأعقد منذ ٢٠٠٣، بعدما انقسمت الأحزاب الشيعية فيما بينها على وضع حد للنفوذ الإيراني المتغول، والذي بات يتحكم في المشهد السياسي العراقي.

وبعد أكثر من عشر هجمات صاروخية استهدفت قواعد أميركية وأخرى تضم قوات أميركية، يبدو أن صبر إدارة ترامب قد نفد، بعدما أوصلت واشنطن تحذيرات لإيران بأن وقوع ضحايا أميركيين يعني أن قواعد اللعبة تغيرت، وأنها ستدفع مقابل كل قتيل، حتى وإن كان مجرد متعاقد ميداني، بضعة عشرات من القتلى من مواطنيها ومن حلفائها.

وبعد ستة أشهر من الجدل حول هوية القصف المجهول لمخازن السلاح التابعة لأطراف مقربة من طهران، اعترفت واشنطن لأول مرة بتوجيه ضربات مكثفة لمعسكرات «حزب الله العراق» على طرفي الحدود مع سورية، واصفة إياه بالدفاعي.

وشهد الأسبوع الماضي قصفاً عنيفاً بالصواريخ استهدف «كي وان»، وتسبب في مقتل المتعاقد الأميركي وعنصر أمن عراقي، واتهمت واشنطن الميليشيات بالوقوف وراء ذلك، وتوعد كبار مسؤوليها بالرد على هذا الهجوم الذي لم يُسجل له مثيل خلال أعوام.

واستهدف الجيش الأميركي، أمس الأول، بطلعات جوية، مقرات حركة الحزب في القائم، وهو معبر حدودي رئيسي مع سورية، تهيمن عليه الميليشيات وتتهم بتسهيل عبور مساعدات عسكرية إيرانية من خلاله إلى دمشق.

وسبق للولايات المتحدة أن اتهمت إيران باستغلال الميليشيات العراقية في تخزين صواريخ متوسطة وبعيدة المدى، لكنها لم تتحدث في السابق عن تفجيرات استهدفت مخازن السلاح في شهري يونيو ويوليو الماضيين.

وبينما يتجه الرأي العام العراقي إلى اتهام الميليشيات بالتورط في قمع حركة الاحتجاج الواسعة، التي أكملت شهرها الثالث، وأوقعت ٢٣ ألفاً بين قتيل وجريح، تحاول الفصائل المسلحة تشجيع الشعب على التضامن معها كضحية لهجمات أميركية تخرق سيادة العراق، حسب وصفها، غير أن معلقين قالوا إن الجمهور في الغالب لم يعِر اهتماماً لهذا القصف، وبقيت الاحتجاجات تركز على تدخلات إيران في السياسة العراقية.

وأعلن كبار المسؤولين، وكذلك متحدث باسم المرجع الأعلى علي السيستاني، رفضهم للقصف الأميركي، لكنهم ذكروا في الوقت نفسه أن الحكومة عليها العمل الجدي لمنع أي طرف مسلح من استهداف البعثات الدبلوماسية أو معسكرات الجيش، إلى جانب إبقاء العراق محايداً في الأزمة الدولية مع إيران.

وفي حين حذر رئيس الحكومة المستقيل عادل عبدالمهدي من أن «الاعتداء الأميركي ستكون له تبعات خطيرة»، دعا الرئيس برهم صالح إلى ضرورة «تأمين حماية البعثات والسفارات، والقواعد العسكرية والقوات الدولية المساندة لجهود مواجهة الإرهاب»، مع رفضه «انتهاك سيادة العراق». وقدم نحو 5 آلاف جندي أميركي موجودين بالعراق إسناداً وتدريباً للجيش خلال حربه الطويلة مع تنظيم داعش، وفق اتفاقية مع الحكومة، غير أن نواباً يمثلون الأطراف المقربة من طهران يحاولون بين الحين والآخر تشريع قانون بطردهم، مما يعكس انقساماً عميقاً بين طهران وبغداد إزاء العلاقة مع الولايات المتحدة.

وقال معلقون إن توقيت الضربة الأميركية خاطئ؛ لأنه يمكن أن يحول الميليشيات من متهمة بقتل المتظاهرين إلى ضحية، لكن واشنطن تقول إنها أبلغت حكومة العراق مراراً بأنها لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام الهجمات الصاروخية على مقراتها.

ويُتوقع أن يفتح هذا الحادث الباب على مصراعيه بشأن جهود الحكومة المتلكئة في احتواء الفصائل المسلحة وعدم تطبيق مراسيم وقوانين كثيرة تنظم وجودها في هذا الإطار، وسط دعوات بحل شامل للميليشيات إثر تورطها في ضرب المحتجين منذ أكتوبر الماضي.