رغم أن ظاهرة الطلاق ليست جديدة ومنتشرة في المنطقة والعالم أجمع، فمازالت العائلات والمرأة، وحتى المجتمع، تعاني جراء تلك الظاهرة، وهو ما انعكس بتجسيدها في أعمال درامية من قبل أشهر نجوم الفن، لكن تفاقمها مؤخراً يدق ناقوس الخطر، ولاسيما في الكويت، التي أعلنت مؤخرا وفق إحصائية معتمدة تسجيل 2695 طلاقاً من إجمالي 4807 حالة زواج، أي بمعدل 29 حالة يوميا، وهو معدل خطير يهدد المجتمع في قمة الهرم الاجتماعي، حيث إن أكثر فئة اقبالاً على الطلاق كانت الجامعيين، وأقلها حملة الشهادات المتوسطة.

Ad

تأثير الدراما

ومن هذا الباب المهم، أثبتت دراسات عالمية أن للفن أثراً كبيراً على بلورة الاتجاهات والأفكار داخل المجتمع من خلال تراكم الصورة الذهنية لدى الفرد نتيجة المعلومات التي يستقيها من التلفزيون والمشاهد التمثيلية،وطبقا لما عرضته الدراسات فإن الدراما رسمت نمطين من العلاقة بين المرأة والرجل، أحدهما الرجل سيئ الطباع، والمرأة المتمردة الناقمة على أوضاعها أو أخرى نفعية شريرة تسعى للحصول على رجل ثري، أما النمط الثاني بالدراما، التي تعتمد على فكرة الصراع كأحد مقومات النجاح، فيظهر الزوج مثاليا عاطفيا، وهو ما يدفع لاشعوريا المرأة العادية لعقد مقارنة بين ما تراه من رومانسية في الدراما التلفزيونية وبين الواقع، مما يخلق لديها إحساسا بالنقص والظلم الاجتماعي، ما يدفعها لإنهاء العلاقة بالطلاق.

ولذلك تعد معالجة الدراما لهذه الظاهرة سلاحا ذا حدين، حيث تعطي صورة نمطية سلبية عن الزواج الذي أصبح محور العديد من الأعمال الدرامية مؤخرا، ولأن أول ما يعالج النص الدرامي هو المؤلف الذي يرسم الخط الرئيسي للعمل فيتبعه باقي الطاقم الفني، فقد ناقشنا هذه الظاهرة مع كتاب لنصوص طرحوها في أعمالهم بأشكال مختلفة.

طرح جريء

«عشاق رغم الطلاق»، للكاتبة علياء الكاظمي، لم يكن عملها الوحيد الذي يركز على هذه الظاهرة أو يطرحها بشكل جريء، حيث ناقشت ما تعانيه المرأة المطلقة من وصمٍ مجتمعي واضطهاد بنظرة أنثوية واعية.

وقالت علياء لـ«الجريدة»: «لا يوجد أحد الآن في العالم يستغني عن مشاهدة الأعمال الفنية، ولذلك يخضع لتأثيرها بشكل أو آخر، سلبا وإيجابا، ولذلك فهي مسؤولية كبيرة وخطيرة على الكاتب أن يدركها جيدا لأنه العامل الرئيسي في النص والمعالجة».

وشددت الكاظمي على دور المؤلف في توجيه رسائل لأفراد المجتمع بشكل بناء وليس هدام، وهو ما اعتمدته في معالجة ظاهرة الطلاق في أكثر من عمل درامي، آخرها مسلسلها «جمان» والذي يتناول أزمة الطلاق والهجران الزوجي.

وأوضحت أن «عشاق رغم الطلاق» ناقش الظاهرة في تدرجها العمري، كحالات الطلاق في سن العشرين والثلاثين والأربعين والخمسين، وتأثير هذا على الأبناء ولأزواج، وهو تأثير خطير، ولذلك فإن استمرار هذا المشروع ونجاحه يعتمدان على الزوج كما يعتمدان على الزوجة التي يحملها المجتمع مغبة ومسؤولية الزواج والانفصال أيضا، وهو ما أسفر هذا الخلل الذي نعانيه الآن، حيث تخلى الكثير من الرجال عن دورهم في حماية هذا الكيان من الانهيار.

وكشفت الكاظمي أن الفرد يستقي بعض السلوكيات من الدراما وأحيانا يتخذ منها مرشدا ودليلا مؤثرا أكثر من نصيحة صديق، ولذلك فإن طرح نماذج سيئة للأزواج أو الزوجات دون وضع حلول رادعة يؤثر سلبا على المشاهد ويدفع لاحتمالات الوقوع تحت سيطرة هذه النماذج، فالزواج يحتاج للكثير من الصبر والحكمة والكثير من التنازلات.

ظاهرة مستفزة

بدوره، ورغم أنه مقل في الظهور الإعلامي، قال الكاتب ضيف الله زيد، بوصفه من أكثر الكتاب معالجة لأزمة الطلاق، إن القضية استفزته على المستويين الإنساني والفني، وقرر البوح برأيه، معقبا: «لا أحب الظهور الإعلامي، ولكن مسؤوليتي تحتم علي التعليق بعد الانتشار الهائل لهذه الظاهرة، والتي عالجتها في العديد من الأعمال منها (الجار) برمضان الماضي على التلفزيون القطري، وماي عيني، والفطين، وكريمو، وجبروت امرأة، وغيرها من الأعمال».

واعتبر زيد أن واقع الطلاق يختلف عن المعالجة الدرامية التي تعتمد على رؤية المؤلف، مضيفا أن الطلاق انتشر بشكل غير مسبوق لأسباب مادية في الأغلب، ولذلك مهما عالجت الدراما هذه الظاهرة، فهي محور واحد، لكن الدور والمسؤولية الكبرى تقع على التربية والبيت، مشدداً على أن المؤلفين ما قصروا في تحمل مسؤولية هذه الظاهرة التي تحتاج إلى معالجة حكيمة ومنظور فني واع.

وأكد على مسؤولية الدراما إلى جانب مواقع التواصل الاجتماعي في تأجيج ظاهرة الطلاق، لأنها جعلت الخصوصيات مباحة أمام الجميع، ولم يعد الناس يستحون من نشر أسرارهم حتى الزوجية، وهو ما يعتبر غزواً فكريا، من خلال أساليب لا تهدف إلا إلى خراب المجتمعات لا بنائها، وهو مؤشر خطير جدا.

خيال الكاتب

من جانبه، أوضح المؤلف فهد العليوة أن المؤلف يعتمد في طرح القضايا على عدد من المكونات كالواقع وتجارب سابقة وخياله وثقافته، موضحا أن دراسته لظاهرة الطلاق ليست متعمقة، فهو يعتمد على إبراز الجانب الاجتماعي في أعماله، ولذلك فإن مهمة الكاتب لا تحتم عليه دراسة الظاهرة دراسة علمية، فهو غير متخصص ليقدم حلولا، هو يقدم عملاً فنياً له أركان، وعلى المشاهد أن يدرك ويعي ذلك، حتى لا ينظر للواقع من بوابة الدراما أو عبر الشاشة فقط.

وأضاف العليوة: «العلاقة القوية لن تتأثر بالدراما، ولكن أغلب حالات الطلاق تقع في سن صغيرة، وهو ما قدمته فعليا في عدد من أعمالي، حيث يعتمد الشاب والفتاة اليوم على الحب وبعض المظاهر الخادعة التي سرعان ما تتكشف بعد الزواج، وينتهي الحال بالطلاق»، مشددا على ضرورة أن يكون الاختيار على أساس سليم كالتفاهم والتكافؤ إلى جانب الحب.

وأشار إلى أن اعتبار الزوجين شخصاً واحداً مفهوم خطير ومخرب، ولذلك فإن على الدراما أن تطرح أهمية قبول الآخر واستقلال الزوجين أحيانا واندماجهما أحيانا أخرى، لأن الزواج شركة أبرز مقوماتها حقوق الطرفين، لا طرف على حساب آخر، «وخصوصا الرجال في مجتمعاتنا الذين يتخلون عن مسؤوليتهم في ضمان استمرار هذه الشراكة»، موضحا أن الزواج مسؤولية مشتركة بنسبة (1 إلى 1)، بدون غلبة أو سيطرة لطرف على آخر.